صفحة جزء
آ. (79) قوله: كلا : للنحويين في هذه اللفظة ستة مذاهب. أحدها: - وهو مذهب جمهور البصريين كالخليل وسيبويه وأبي الحسن الأخفش وأبي العباس - أنها حرف ردع وزجر، وهذا معنى لائق بها حيث وقعت في القرآن، وما أحسن ما جاءت في هذه الآية حيث زجرت وردعت ذلك القائل. والثاني: - وهو مذهب النضر بن شميل - أنها حرف تصديق بمعنى نعم، فتكون جوابا، ولا بد حينئذ من أن يتقدمها شيء لفظا أو تقديرا. وقد تستعمل في القسم. والثالث: - وهو مذهب الكسائي وأبي بكر بن الأنباري ونصير بن يوسف وابن واصل - أنها بمعنى حقا. والرابع: - وهو مذهب أبي عبد الله محمد بن الباهلي - أنها رد لما قبلها وهذا قريب من معنى الردع. الخامس: أنها صلة في الكلام بمعنى "إي" كذا قيل. وفيه نظر فإن "إي" حرف جواب ولكنه مختص بالقسم. السادس: أنها حرف استفتاح وهو قول أبي حاتم. ولتقرير هذه المواضع موضوع هو أليق بها قد حققتها بحمد الله تعالى فيه.

[ ص: 638 ] وقد قرئ هنا بالفتح والتنوين في "كلا" هذه، وتروى عن أبي نهيك. وسيأتي لك أن الزمخشري يحكي هذه القراءة ويعزيها لابن نهيك في قوله: كلا سيكفرون ويحكي أيضا قراءة بضم الكاف والتنوين، ويعزيها لابن نهيك أيضا. فأما قوله: "ابن نهيك" فليس لهم ابن نهيك، إنما لهم أبو نهيك بالكنية.

وفي قراءة الفتح والتنوين أربعة أوجه، أحدها: أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر من لفظها تقديره: كلوا كلا، أي: أعيوا عن الحق إعياء، أو كلوا عن عبادة الله لتهاونهم بها، من قول العرب: "كل السيف" إذا نبا عن الضرب، وكل زيد، أي: تعب. وقيل: المعنى: كلوا في دعواهم وانقطعوا. والثاني: أنه مفعول به بفعل مقدر من معنى الكلام تقديره: حملوا كلا، والكل أيضا: الثقل. تقول: فلان كل على الناس، ومنه قوله تعالى: وهو كل على مولاه والثالث: أن التنوين بدل من ألف "كلا" وهي التي يراد بها الردع والزجر، فيكون صرفا أيضا.

قال الزمخشري : ولقائل أن يقول: إن صحت هذه الرواية فهي "كلا" التي للردع، قلب الواقف عليها ألفها نونا كما في قوله: قوارير . قال الشيخ: "وهذا ليس بجيد لأنه قال: "التي للردع" والتي للردع حرف [ ص: 639 ] ولا وجه لقلب ألفها نونا، وتشبيهه ب "قواريرا" ليس بجيد لأن "قواريرا" اسم رجع به إلى أصله، فالتنوين ليس بدلا من ألف بل هو تنوين الصرف، وهذا الجمع مختلف فيه: أيتحتم منع صرفه أم يجوز؟ قولان ومنقول أيضا أن لغة بعض العرب يصرفون ما لا ينصرف فهذا القول: إما على قول من لا يرى بالتحتم، أو على تلك اللغة.

والرابع: أنه نعت ل "آلهة" قاله ابن عطية. وفيه نظر، إذ ليس المعنى على ذلك. وقد يظهر له وجه: أن يكون قد وصف الآلهة بالكل الذي هو المصدر بمعنى الإعياء والعجز، كأنه قيل: آلهة كالين، أي: عاجزين منقطعين، ولما وصفهم بالمصدر وحده.

التالي السابق


الخدمات العلمية