صفحة جزء
آ. (4) قوله : للزكاة : اللام مزيدة في المفعول لتقدمه على عامله ولكونه فرعا. والزكاة في الأصل مصدر، ويطلق على القدر المخرج من [ ص: 316 ] الأعيان. قال الزمخشري: "اسم مشترك بين عين ومعنى، فالعين: القدر الذي يخرجه المزكي من النصاب، والمعنى: فعل المزكي، وهو الذي أراده الله فجعل المزكين فاعلين له، ولا يسوغ فيه غيره لأنه ما من مصدر إلا يعبر عنه بالفعل. ويقال لمحدثه فاعل. تقول للضارب: فاعل الضرب، وللقاتل فاعل القتل، وللمزكي فاعل التزكية، وعلى هذا الكلام كله. والتحقيق في هذا أنك تقول في جميع الحوادث: من فاعلها؟ فيقال لك: الله أو بعض الخلق. ولم تمتنع الزكاة الدالة على العين أن يتعلق بها [فاعلون] لخروجها من صحة أن يتناولها الفاعل، ولكن لأن الخلق ليسوا بفاعليها. وقد أنشدوا لأمية بن أبي الصلت:


3402 - المطعمون الطعام في السنة الـ أزمة والفاعلون للزكوات



ويجوز أن يراد بالزكاة العين، ويقدر مضاف محذوف وهو الأداء، وحمل البيت على هذا أصح لأنها فيه مجموعة". قلت: إنما أحوج أبا القاسم إلى هذا أن بعضهم زعم أنه يتعين أن تكون الزكاة هنا المصدر; لأنه لو أراد العين لقال مؤدون، ولم يقل فاعلون، فقال الزمخشري: لم يمتنع ذلك لعدم صحة تناول فاعل لها، بل لأن الخلق ليسوا بفاعليها، وإنما جعل الزكوات في بيت أمية أعيانا لجمعها; لأن المصدر لا يجمع.

وناقشه الشيخ فقال: "يجوز أن يكون مصدرا وإنما جمع لاختلاف أنواعه".

[ ص: 317 ] قوله: "إلا على أزواجهم" فيه أوجه، أحدها: أنه متعلق بـ "حافظون" على التضمين. يعني ممسكين أو قاصرين. وكلاهما يتعدى بـ على. قال تعالى: "أمسك عليك زوجك" الثاني: أن "على" بمعنى "من" أي: إلا من أزواجهم. فـ "على" بمعنى "من"، كما جاءت "من" بمعنى "على" في قوله "ونصرناه من القوم"، وإليه ذهب الفراء. الثالث: أن يكون في موضع نصب على الحال. قال الزمخشري: أي إلا والين على أزواجهم أو [652/ب] قوامين عليهن. من قولك: كان فلان على فلانة فمات عنها، فخلف عليها فلان. ونظيره: كان زياد على البصرة أي: واليا عليها. ومنه قولهم: "ثلاثة تحت فلان، ومن ثم سميت المرأة فراشا". الرابع: أنه متعلق بمحذوف يدل عليه "غير ملومين". قال الزمخشري: "كأنه قيل: يلامون إلا على أزواجهم أي: يلامون على كل مباشر إلا على ما أطلق لهم فإنهم غير ملومين عليه". قلت: وإنما لم يجعله متعلقا بـ "ملومين" لوجهين. أحدهما: أن ما بعد "إن" لا يعمل فيما قبلها. والثاني: أن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف، ولفساد المعنى أيضا.

الخامس: أن يجعل صلة لحافظين. قال الزمخشري: "من قولك: احفظ علي عنان فرسي"، على تضمينه معنى النفي كما ضمن قولهم: "نشدتك [ ص: 318 ] بالله إلا فعلت" معنى: ما طلبت منك إلا فعلك. يعني: أن صورته إثبات ومعناه نفي.

قال الشيخ بعدما ذكرته عن الزمخشري: "وهذه وجوه متكلفة ظاهر فيها العجمة" قلت: وأي عجمة في ذلك؟ على أن الشيخ جعلها متعلقة بـ "حافظون" على ما ذكره من التضمين. وهذا لا يصح له إلا بأن يرتكب وجها منها: وهو التأويل بالنفي كـ "نشدتك الله" لأنه استثناء مفرغ، ولا يكون إلا بعد نفي أو ما في معناه.

السادس: قال أبو البقاء: "في موضع نصب بـ حافظون" على المعنى; لأن المعنى: صانوها عن كل فرج إلا عن فروج أزواجهم". قلت: وفيه شيئان، أحدهما: تضمين "حافظون" معنى صانوا، وتضمين "على" معنى "عن".

قوله: "أو ما ملكت" "ما" بمعنى اللاتي. وفي وقوعها على العقلاء وجهان، أحدهما: أنها واقعة على الأنواع كقوله: "فانكحوا ما طاب" أي: أنواع. والثاني: قال الزمخشري: "أريد من جنس العقلاء ما يجري مجرى غير العقلاء وهم الإناث". قال الشيخ: "وقوله: "وهم" ليس بجيد; لأن لفظ "هم" مختص بالذكور، فكان ينبغي أن يقول: "وهو" على لفظ "ما". أو "وهن" [ ص: 319 ] على معنى "ما" قلت: والجواب عنه: أن الضمير عائد على العقلاء، فقوله "وهم" أي: والعقلاء الإناث.

التالي السابق


الخدمات العلمية