صفحة جزء
آ. (8) قوله : نودي : في القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه، أحدها: أنه ضمير موسى، وهو الظاهر. وفي " أن " حينئذ ثلاثة أوجه، أحدها: أنها المفسرة لتقدم ما هو بمعنى القول. والثاني: أنها الناصبة للمضارع، ولكن وصلت هنا بالماضي. وتقدم تحقيق ذلك، وذلك على إسقاط الخافض أي: نودي موسى بأن بورك. الثالث: أنها المخففة، واسمها ضمير الشأن، و "بورك" خبرها، ولم يحتج هنا إلى فاصل; لأنه دعاء، وقد تقدم نحوه في النور في قوله: "أن غضب" في قراءته فعلا ماضيا.

قال الزمخشري: "فإن قلت: هل يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة، والتقدير: بأنه بورك. والضمير ضمير الشأن والقصة؟ قلت: لا لأنه لا بد من "قد". فإن قلت: فعلى إضمارها؟ قلت: لا يصح لأنها علامة ولا تحذف". انتهى. فمنع أن تكون مخففة لما ذكر، وهذا بناء منه على أن "بورك" خبر لا دعاء. أما إذا قلنا: إنه دعاء كما تقدم في النور فلا حاجة إلى الفاصل كما تقدم. وقد تقدم فيه استشكال: وهو أن الطلب لا يقع خبرا في هذا الباب فكيف وقع هذا خبرا لـ "أن" المخففة وهو دعاء؟

[ ص: 574 ] الثاني: من الأوجه الأول: أن القائم مقام الفاعل نفس "أن بورك" على حذف حرف الجر أي: بأن بورك. و "أن" حينئذ: إما ناصبة في الأصل، وإما مخففة.

الثالث: أنه ضمير المصدر المفهوم من الفعل أي: نودي النداء، ثم فسر بما بعده. ومثله "ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه".

قوله: "من في النار" "من" قائم مقام الفاعل لـ "بورك". وبارك يتعدى بنفسه، ولذلك بني للمفعول. يقال: باركك الله، وبارك عليك، وبارك فيك، وبارك لك، وقال الشاعر:


3539 - فبوركت مولودا وبوركت ناشئا وبوركت عند الشيب إذ أنت أشيب



وقال عبد الله بن الزبير:


3540 - فبورك في بنيك وفي بنيهم     إذا ذكروا ونحن لك الفداء



وقال آخر:


3541 - بورك الميت الغريب كما بو     رك نضح الرمان والزيتون



والمراد بـ "من": إما الباري تعالى، وهو على حذف مضاف أي: من [ ص: 575 ] قدرته وسلطانه في النار. وقيل: المراد به موسى والملائكة، وكذلك بمن حولها. وقيل: المراد بـ "من" غير العقلاء وهو النور والأمكنة التي حولها.

قوله: "وسبحان الله" فيه أوجه، أحدها: أنه من تتمة النداء أي: نودي بالبركة وتنزيه رب العزة. أي: نودي بمجموع الأمرين. الثاني: أنه من كلام الله تعالى مخاطبا لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو على هذا اعتراض بين أثناء القصة. الثالث: أن معناه: وبورك من سبح الله. يعني أنه حذف "من" وصلتها وأبقى معمول الصلة إذ التقدير: بورك من في النار ومن حولها، ومن قال: سبحان الله و "سبحان" في الحقيقة ليس معمولا لـ "قال" بل لفعل من لفظه، وذلك الفعل هو المنصوب بالقول.

التالي السابق


الخدمات العلمية