صفحة جزء
آ. (34) قوله : هو أفصح : الفصاحة لغة: الخلوص. ومنه فصح اللبن وأفصح فهو مفصح وفصيح أي: خلص من الرغوة. وروي قولهم:

[ ص: 674 ]

3606 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وتحت الرغوة اللبن الفصيح



ومنه فصح الرجل: جادت لغته. وأفصح: تكلم بالعربية. وقيل: بالعكس. وقيل: الفصيح الذي ينطق. والأعجم: الذي لا ينطق. وعن هذا استعير أفصح الصبح أي: بدا ضوءه. وأفصح النصراني: دنا فصحه بكسر الفاء وهو عيد لهم. وأما في اصطلاح أهل البيان فهي خلوص الكلمة من تنافر الحروف كقوله: "ترعى الهعخع". ومن الغرابة. كقوله:


3607 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ومرسنا مسرجا



ومن مخالفة القياس اللغوي كقوله:

[ ص: 675 ]

3608 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . العلي الأجلل



وخلوص الكلام من ضعف التأليف كقوله:


3609 - جزى ربه عني عدي بن حاتم      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



ومن تنافر الكلمات كقوله:


3610 - وقبر حرب بمكان قفر     وليس قرب قبر حرب قبر



ومن التعقيد وهو: إما إخلال نظم الكلام فلا يدرى كيف يتوصل إلى معناه؟ كقوله:


3611 - وما مثله في الناس إلا مملكا     أبو أمه حي أبوه يقاربه



وإما عدم انتقال الذهن من المعنى الأول إلى المعنى الثاني، الذي هو لازمه والمراد به، ظاهرا كقوله:

[ ص: 676 ]

3612 - سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا     وتسكب عيناي الدموع لتجمدا



وخلوص المتكلم من النطق بجميع ذلك فصارت الفصاحة يوصف بها ثلاثة أشياء: الكلمة والكلام والمتكلم بخلاف البلاغة فإنه لا يوصف بها إلا الأخيران. وهذا له موضوع يوضح فيه، وإنما ذكرت لك ما ينبهك على أصله.

و [قوله] : "لسانا" تمييز.

قوله: "ردءا" منصوب على الحال. والردء: العون وهو فعل بمعنى مفعول كالدفء بمعنى المدفوء به. وردأته على عدوه أعنته عليه. وردأت الحائط: دعمته بخشبة كيلا يسقط. وقال النحاس: "يقال: "ردأته وأردأته".

وقال سلامة بن جندل:


3613 - وردئي كل أبيض مشرفي     شحيذ الحد أبيض ذي فلول



وقال آخر:


3614 - ألم تر أن أصرم كان ردئي     وخير الناس في قل ومال



[ ص: 677 ] وقرأ نافع "ردا" بالنقل، وأبو جعفر كذلك إلا أنه لم ينونه كأنه أجرى الوصل مجرى الوقف. ونافع ليس من قاعدته النقل في كلمة إلا هنا. وقيل: ليس فيه نقل وإنما هو من أردى على كذا. أي: زاد. قال الشاعر:


3615 - وأسمر خطيا كأن كعوبه     نوى القسب قد أردى ذراعا على العشر



أي: زاد [وأنشده الجوهري: قد أربى، وهو بمعناه].

قوله: "يصدقني" قرأ حمزة وعاصم بالرفع على الاستئناف أو الصفة لـ "ردءا" أو الحال من هاء "أرسله"، أو من الضمير في "ردءا". والباقون بالجزم جوابا للأمر. وزيد بن علي وأبي "يصدقوني" أي: فرعون وملؤه. قال ابن خالويه: "وهذا شاهد لمن جزم; لأنه لو كان رفعا لقال "يصدقونني" يعني بنونين".

وهذا سهو من ابن خالويه; لأنه متى اجتمعت نون الرفع مع نون الوقاية جازت أوجه، أحدها: الحذف، فهذا يجوز أن يكون مرفوعا، وحذف نونه لما ذكرت لك. وقد تقدم تحقيق هذا في الأنعام وغيرها. وحكاه الشيخ عن ابن خالويه ولم يعقبه بنكير.

التالي السابق


الخدمات العلمية