صفحة جزء
سورة العنكبوت

بسم الله الرحمن الرحيم

آ . (2) قوله : أن يتركوا : سد مسد مفعولي حسب عند الجمهور ، ومسد أحدهما عند الأخفش .

قوله : " أن يقولوا " فيه أوجه ، أحدها : أنه بدل من " أن يتركوا " ، أبدل مصدرا مؤولا من مثله . الثاني : أنها على إسقاط الخافض وهو الباء ، أو اللام ، أي : بأن يقولوا ، أو لأن يقولوا . قال ابن عطية وأبو البقاء : " وإذا قدرت الباء كان حالا " . قال ابن عطية : " والمعنى في الباء واللام مختلف ; وذلك أنه في الباء كما تقول : " تركت زيدا بحاله " وهي في اللام بمعنى من أجل أي : أحسبوا أن إيمانهم علة للترك " انتهى . وهذا تفسير معنى ، ولو فسر الإعراب لقال : أحسبانهم الترك لأجل تلفظهم بالإيمان .

وقال الزمخشري : " فإن قلت : فأين الكلام الدال على المضمون الذي يقتضيه الحسبان ؟ قلت : هو في قوله : أن يتركوا أن يقولوا : آمنا ، وهم [ ص: 6 ] لا يفتنون . وذلك أن تقديره : أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم : آمنا ، فالترك أول مفعولي " حسب " و " لقولهم آمنا " هو الخبر . وأما غير مفتونين فتتمة الترك ; لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير ، كقوله :


3633 - فتركته جزر السباع ينشنه ... ... ... ...



ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبان تقدر أن تقول : تركهم غير مفتونين لقولهم : آمنا على [تقدير ] : حاصل ومستقر قبل اللام . فإن قلت : " أن يقولوا " هو علة تركهم غير مفتونين ، فكيف يصح أن يقع خبر مبتدأ ؟ قلت : كما تقول : خروجه لمخافة الشر وضربه للتأديب ، وقد كان التأديب والمخافة في قولك : خرجت مخافة الشر وضربته تأديبا تعليليين . وتقول أيضا : حسبت خروجه لمخافة الشر ، وظننت ضربه للتأديب ، فتجعلهما مفعولين كما جعلتهما مبتدأ وخبرا " .

قال الشيخ بعد هذا كله : " وهو كلام فيه اضطراب ; ذكر أولا أن تقديره غير مفتونين تتمة ، يعني أنه حال لأنه سبك ذلك من قوله وهم لا يفتنون وهي جملة حالية ، ثم ذكر أن " يتركوا " هنا من الترك الذي هو تصيير . ولا يصح ; لأن مفعول " صير " الثاني لا يستقيم أن يكون " لقولهم " ; إذا يصير التقدير : أن يصيروا [ ص: 7 ] لقولهم وهم لا يفتنون ، وهذا كلام لا يصح . وأما ما مثله به من البيت فإنه يصح أن يكون " جزر السباع " مفعولا ثانيا لـترك بمعنى صير ، بخلاف ما قدر في الآية . وأما تقديره تركهم غير مفتونين لقولهم [آمنا ] على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام فلا يصح إذا كان تركهم بمعنى تصييرهم ، وكان غير مفتونين حالا ; إذ لا ينعقد من تركهم بمعنى تصييرهم وتقولهم مبتدأ وخبر ، لاحتياج تركهم بمعنى تصييرهم إلى مفعول ثان لأن غير مفتونين عنده حال لا مفعول ثان .

وأما قوله : فإن قلت : أن يقولوا إلى آخره فيحتاج إلى فضل فهم : وذلك أن قوله : " أن يقولوا " هو علة تركهم فليس كذلك ; لأنه لو كان علة له لكان به متعلقا كما يتعلق بالفعل ، ولكنه علة للخبر المحذوف الذي هو مستقر أو كائن ، والخبر غير المبتدأ ، ولو كان " لقولهم " علة للترك لكان من تمامه فكان يحتاج إلى خبر . وأما قوله كما تقول : خروجه لمخافة الشر فـ" لمخافة " ليس علة للخروج بل للخبر المحذوف الذي هو مستقر أو كائن " انتهى .

قلت : وهذا الذي ذكره الشيخ كله جوابه : أن الزمخشري إنما نظر إلى جانب المعنى ، وكلامه عليه صحيح . وأما قوله : ليس علة للخروج ونحو ذلك يعني في اللفظ . وأما في المعنى فهو علة له قطعا ، ولولا خوف الخروج عن المقصود .

التالي السابق


الخدمات العلمية