صفحة جزء
آ . (27) قوله : وهو أهون عليه : في " أهون " قولان ، أحدهما : أنها للتفضيل على بابها . وعلى هذا يقال : كيف يتصور التفضيل ، والإعادة والبداءة بالنسبة إلى الله تعالى على حد سواء ؟ في ذلك أجوبة ، أحدها : أن ذلك بالنسبة إلى اعتقاد البشر باعتبار المشاهدة : من أن إعادة الشيء أهون من اختراعه لاحتياج الابتداء إلى إعمال فكر غالبا ، وإن كان هذا منتفيا عن الباري سبحانه وتعالى فخوطبوا بحسب ما ألفوه .

الثاني : أن الضمير في " عليه " ليس عائدا على الله تعالى ، إنما يعود على الخلق أي : والعود أهون على الخلق أي أسرع ; لأن البداءة فيها تدريج من طور إلى طور ، إلى أن صار إنسانا ، والإعادة لا تحتاج إلى هذه التدريجات فكأنه قيل : وهو أقصر عليه وأيسر وأقل انتقالا .

الثالث : أن الضمير في " عليه " يعود على المخلوق ، بمعنى : والإعادة أهون على المخلوق أي إعادته شيئا بعدما أنشأه ، هذا في عرف المخلوقين ، فكيف ينكرون ذلك في جانب الله تعالى ؟

[ ص: 40 ] والثاني : أن " أهون " ليست للتفضيل ، بل هي صفة بمعنى هين ، كقولهم : الله أكبر [أي ] : الكبير . والظاهر عود الضمير في " عليه " على الباري تعالى ليوافق الضمير في قوله : وله المثل الأعلى . قال الزمخشري : " فإن قلت : لم أخرت الصلة في قوله وهو أهون عليه وقدمت في قوله هو علي هين ؟ قلت : هنالك قصد الاختصاص ، وهو محزه فقيل : هو علي هين وإن كان مستصعبا عندك أن يولد بين هم وعاقر ، وأما هنا فلا معنى للاختصاص . كيف والأمر مبني على ما يعقلون من أن الإعادة أسهل من الابتداء ؟ فلو قدمت الصلة لتغير المعنى " . قال الشيخ : " ومبنى كلامه على أن التقديم يفيد الاختصاص وقد تكلمنا معه ولم نسلمه " . قلت : الصحيح أنه يفيده ، وقد تقدم جميع ذلك .

قوله : وله المثل الأعلى يجوز أن يكون مرتبطا بما قبله ، وهو قوله : وهو أهون عليه أي : قد ضربه لكم مثلا فيما يسهل وفيما يصعب . وإليه نحا الزجاج أو بما بعده من قوله : ضرب لكم مثلا من أنفسكم وقيل : المثل : الوصف . " وفي السماوات " يجوز أن يتعلق بالأعلى أي : إنه علا في [ ص: 41 ] هاتين الجهتين ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الأعلى ، أو من المثل ، أو من الضمير في " الأعلى " فإنه يعود على المثل .

قوله : " من أنفسكم " " من " لابتداء الغاية في موضع الصفة لـ مثلا أي : أخذ مثلا ، وانتزعه من أقرب شيء منكم هو أنفسكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية