صفحة جزء
آ . (6) قوله تعالى : في الأرحام : يجوز أن يتعلق بيصوركم وهو الظاهر ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من مفعول "يصوركم " أي : يصوركم وأنتم في الأرحام مضغ .

وقرأ طاووس : "تصوركم " فعلا ماضيا ومعناه صوركم لنفسه ولتعبده ، وتفعل يأتي بمعنى فعل كقولهم : "تأثلث مالا وأثلته " أي جعلته أثلة أي أصلا ، ونحوه : ولى وتولى . والتصوير : تفعيل من صاره يصوره أي : أماله وثناه ، ومعنى صوره أي : جعل له صورة . والصورة : الهيئة يكون عليها الشيء من تأليف خاص وتركيب منضبط .

[ ص: 24 ] قوله : كيف يشاء في هذه الآية أوجه ، أظهرها : أن "كيف " للجزاء ، وقد جوزي بها في لسانهم في قولهم : "كيف تصنع أصنع ، وكيف تكون أكون " إلا أنه لا يجزم بها ، وجوابها محذوف لدلالة ما قبلها ، وكذلك مفعول "يشاء " لما تقدم أنه لا يذكر إلا لغرابة ، والتقدير : كيف يشاء تصويركم يصوركم ، فحذف "تصويركم " لأنه مفعول يشاء ، و "يصوركم " لدلالة "يصوركم " الأول عليه ، ونظيره قولهم : "أنت ظالم إن فعلت " تقديره : أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم . وعند من يجيز تقديم الجزاء في الشرط الصريح يجعل "يصوركم " المتقدم هو الجزاء .

و "كيف " منصوب على الحال بالفعل بعده ، والمعنى : على أي حال شاء أن يصوركم صوركم ، وتقدم الكلام على ذلك في قوله : كيف تكفرون . ولا جائز أن تكون "كيف " معمولة ليصوركم لأن لها صدر الكلام ، وما له صدر الكلام لا يعمل فيه إلا أحد شيئين : إما حرف الجر نحو : بمن تمر ؟ وإما المضاف نحو : "غلام من عندك ؟ " الثاني : أن تكون "كيف " ظرفا ليشاء ، والجملة في محل نصب على الحال من ضمير اسم الله تعالى تقديره : يصوركم على مشيئة أي مريدا . الثالث : كذلك إلا أنه حال من مفعول "يصوركم " تقديره : يصوركم متقلبين على مشيئته . ذكر الوجهين أبو البقاء ، ولما ذكر غيره كونها حالا من ضمير اسم الله قدرها بقوله : يصوركم في الأرحام قادرا على تصويركم مالكا ذلك . الرابع : أن تكون الجملة في موضع المصدر ، المعنى : يصوركم في الأرحام تصوير المشيئة وكما يشاء ، هكذا قال الحوفي . وفي قوله : "الجملة في موضع المصدر " تسامح لأن الجمل لا تقوم مقام المصادر ، ومراده أن "كيف " دالة على ذلك ، [ ص: 25 ] ولكن لما كانت في ضمن الجملة نسب ذلك إلى الجملة . وقوله هو الذي يصوركم : تحتمل هذه الجملة أن تكون مستأنفة سيقت لمجرد الإخبار بذلك ، وأن تكون في محل رفع خبرا ثانيا لإن .

التالي السابق


الخدمات العلمية