صفحة جزء
آ . (12) قوله تعالى : ستغلبون وتحشرون قرأ الأخوان هذين الفعلين بالغيبة ، والباقون بالخطاب ، والغيبة والخطاب في مثل هذا التركيب واضحان كقولك : "قل لزيد : قم " على الحكاية ، وقل لزيد : يقوم ، وقد تقدم نحو من هذا في قوله : لا تعبدون إلا الله . وقال الشيخ في قراءة الغيبة : "الظاهر أن الضمير للذين كفروا ، وتكون الجملة إذ ذاك ليست محكية بقل ، بل محكية بقول آخر ، التقدير : قل لهم قولي سيغلبون وإخباري أنه ستقع عليهم الغلبة ، كما قال : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف فبالتاء أخبرهم بمعنى ما أخبر به من أنهم سيغلبون ، وبالياء أخبرهم باللفظ الذي أخبر به أنهم سيغلبون " .

وهذا الذي قاله سبقه إليه الزمخشري فأخذه منه ، ولكن عبارة [ ص: 42 ] أبي القاسم أوضح فلنوردها ، قال رحمه الله : "فإن قلت : أي فرق بين القراءتين من حيث المعنى ؟ قلت : معنى القراءة بالتاء - أي من فوق - الأمر بأن يخبرهم بما سيجري عليهم من الغلبة والحشر إلى جهنم ، فهو إخبار بمعنى ستغلبون وتحشرون فهو كائن من نفس المتوعد به ، وهو الذي يدل عليه اللفظ ، ومعنى القراءة بالياء الأمر بأن يحكي لهم ما أخبره به من وعيدهم بلفظه كأنه قال : أد إليهم هذا القول الذي هو قولي لك سيغلبون ويحشرون " .

وجوز الفراء وثعلب أن يكون الضمير في "سيغلبون ويحشرون " لكفار قريش ، ويراد بالذين كفروا اليهود ، والمعنى : قل لليهود : "ستغلب قريش " ، هذا إنما يتجه على قراءة الغيبة فقط . قال مكي : "ويقوي القراءة بالياء - أي : من تحت - إجماعهم على الياء في قوله : قل للذين كفروا إن ينتهوا ، قال : " والتاء - يعني من فوق - أحب إلي لإجماع الحرميين وعاصم وغيرهم على ذلك "قلت : ومثل إجماعهم على قوله : قل للذين كفروا إن ينتهوا إجماعهم على قوله : قل للمؤمنين يغضوا قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون .

وقال الفراء : " من قرأ بالتاء جعل اليهود والمشركين داخلين في الخطاب ، ثم يجوز في هذا المعنى الياء والتاء ، كما تقول في الكلام : "قل لعبد الله : إنه قائم وإنك قائم " ، وفي حرف عبد الله : قل للذين كفروا إن [ ص: 43 ] ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ، ومن قرأ بالياء فإنه ذهب إلى مخاطبة اليهود ، وأن الغلبة تقع على المشركين ، كأنه قيل : قل يا محمد لليهود سيغلب المشركون ويحشرون ، فليس يجوز في هذا المعنى إلا الياء لأن المشركين غيب .

قوله : وبئس المهاد المخصوص بالذم محذوف أي : بئس المهاد جهنم . والحذف للمخصوص يدل على صحة مذهب سيبويه من أنه مبتدأ والجملة قبله خبره ، ولو كان كما قال غيره مبتدأ محذوف الخبر أو بالعكس لما حذف ثانيا للإجحاف بحذف سائر الجملة .

التالي السابق


الخدمات العلمية