صفحة جزء
[ ص: 83 ] آ . (19) قوله تعالى : إن الدين عند الله : قرأ الكسائي بفتح الهمزة والباقون بكسرها . فأما قراءة الجماعة فعلى الاستئناف ، وهي مؤكدة للجملة الأولى . قال الزمخشري : "فإن قلت : ما فائدة هذا التوكيد ؟ قلت : فائدته أن قوله : " لا إله إلا هو "توحيد ، وقوله : " قائما بالقسط "تعديل ، فإذا أردفه قوله : إن الدين عند الله الإسلام فقد آذن أن الإسلام هو العدل والتوحيد ، وهو الدين عند الله ، وماعداه فليس في شيء من الدين عنده " .

وأما قراءة الكسائي ففيها أوجه ، أحدها : أنها بدل من "أنه لا إله إلا هو " على قراءة الجمهور في "أنه لا إله إلا هو " وفيه وجهان ، أحدهما : أنه من بدل الشيء من الشيء ، وذلك أن الدين الذي هو الإسلام يتضمن العدل والتوحيد وهو هو في المعنى . والثاني : أنه بدل اشتمال لأن الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل .

الثاني من الأوجه السابقة أن يكون "أن الدين " بدلا من قوله "قائما بالقسط " ثم لك اعتباران ، أحدهما : أن تجعله بدلا من لفظه فيكون محل "أن الدين " الجر . والثاني : أن تجعله بدلا من موضعه فيكون محلها نصبا . وهذا الثاني لا حاجة إليه وإن كان أبو البقاء ذكره ، وإنما صح البدل في المعنى ؛ لأن الدين الذي هو الإسلام قسط وعدل ، فيكون أيضا من بدل الشيء من الشيء ، وهما لعين واحدة . ويجوز أن يكون بدل اشتمال لأن الدين مشتمل على القسط وهو العدل . وهذه التخاريج لأبي علي الفارسي ، وتبعه [ ص: 84 ] الزمخشري في بعضها . قال الشيخ : "وأبو علي معتزلي فلذلك يشتمل كلامه على لفظ المعتزلة من العدل والتوحيد " قلت : ومن يرغب عن التوحيد والعدل من أهل السنة حتى يخص به المعتزلة ؟ وإنما رأى في كلام الزمخشري هذه الألفاظ كثيرا ، وهو عنده معتزلي ، فمن تكلم بالتوحيد والعدل كان عنده معتزليا .

ثم قال : "وعلى البدل من " أنه "خرجه هو وغيره ، وليس بجيد لأنه يؤدي إلى تركيب بعيد أن يأتي مثله في كلام العرب وهو : " عرف زيد أنه لا شجاع إلا هو وبنو دارم ملاقيا للحروب لا شجاع إلا هو البطل الحامي أن الخصلة الحميدة هي البسالة "وتقريب هذا المثال : " ضرب زيد عائشة والعمران حنقا أختك "فحنقا حال من زيد ، وأختك بدل من عائشة ، ففصل بين البدل والمبدل منه بالعطف ، وهو لا يجوز ، وبالحال لغير المبدل منه ، وهو لا يجوز ، لأنه فصل بأجنبي بين المبدل منه والبدل " انتهى .

قوله : "عرف زيد " هو نظير : "شهد الله " وقوله : "أنه لا شجاع إلا هو " نظير "أنه لا إله إلا هو " . وقوله : "وبنو دارم " نظير قوله : "والملائكة " . وقوله : "ملاقيا للحروب " نظير قوله : "قائما بالقسط ، وقوله " لا شجاع إلا هو "نظير قوله : " لا إله إلا هو "فجاء به مكررا كما في الآية ، وقوله : " البطل الحامي "نظير قوله : " العزيز الحكيم "وقوله " أن الخصلة الحميدة هي البسالة "نظير قوله : " أن الدين عند الله الإسلام " ولا يظهر لي منع ذلك ولا عدم صحة تركيبه حتى يقول " ليس بجيد "وبعيد أن يأتي عن العرب مثله " . وما ادعاه بقوله في المثال الثاني أن فيه الفصل بأجنبي فيه نظر ، إذ هذه الجمل صارت كلها كالجملة الواحدة لما اشتملت عليه من تقوية كلمات [ ص: 85 ] بعضها ببعض ، وأبو علي وأبو القاسم وغيرهما لم يكونوا في محل من يجهل صحة تركيب بعض الكلام وفساده .

ثم قال الشيخ : "قال الزمخشري : وقرئا مفتوحين على أن الثاني بدل من الأول كأنه قيل : شهد الله بأن الدين عند الله الإسلام ، والبدل هو المبدل منه في المعنى ، فكان بيانا صريحا لأن دين الإسلام هو التوحيد والعدل " . قال : "فهذا نقل كلام أبي علي دون استيفاء " .

الثالث من الأوجه : أن يكون "أن الدين " معطوفا على "أنه لا إله إلا هو " ، حذف منه حرف العطف ، قاله ابن جرير ، وضعفه ابن عطية ، ولم يبين وجه ضعفه .

قال الشيخ : "وجه ضعفه أنه متنافر التركيب مع إضمار حرف العطف ، فيفصل بين المتعاطفين المرفوعين بالمنصوب المفعول ، وبين المتعاطفين المنصوبين بالمرفوع وبجملتي الاعتراض ، وصار في التركيب نظير قولك : " أكل زيد خبزا وعمرو سمكا "يعني ففصلت بين " زيد "وبين " عمرو " بـ " خبزا " ، وفصلت بين " خبزا "وبين " سمكا "بعمرو ، إذ الأصل قبل الفصل : " أكل زيد وعمرو خبزا وسمكا " .

الرابع : أن يكون معمولا لقوله : " شهد الله "أي : شهد الله بأن الدين ، فلما حذف الحرف جاز أن يحكم على موضعه بالنصب أو بالجر . فإن قلت : إنما يتجه هذا التخريج على قراءة ابن عباس ، وهي كسر إن الأولى ، وتكون حينئذ الجملة اعتراضا بين " شهد "وبين معموله كما قدمته ، وأما على قراءة [ ص: 86 ] فتح " أن "الأولى ، وهي قراءة العامة فلا يتجه ما ذكرته من التخريج ، لأن الأولى معمولة له استغنى بها . فالجواب : أن ذلك متجه أيضا مع فتح الأولى وهو أن تجعل الأولى على حذف لام العلة ، تقديره : شهد الله أن الدين عند الله الإسلام لأنه لا إله إلا هو ، وكان يحيك في نفسي هذا التخريج مدة ، ولم أرهم ذكروه حتى رأيت الواحدي ذكره ، وقال : " وهذا معنى قول الفراء حيث يقول في الاحتجاج للكسائي : "إن شئت جعلت " أنه "على الشرط ، وجعلت الشهادة واقعة على قوله : " أن الدين عند الله الإسلام " وتكون " أن "الأولى يصلح فيه الخفض كقولك : " شهد الله لوحدانيته أن الدين عند الله الإسلام " . وهو كلام مشكل في نفسه ، ومعنى قوله : "على الشرط " أي : العلة ، سمى العلة شرطا لأن المشروط متوقف عليه كتوقف المعلول على علته ، فهو علة ، إلا أنه خلاف اصطلاح النحويين .

ثم اعترض الواحدي على هذا التخريج بأنه لو كان كذلك لم يحسن إعادة اسم الله ولكان التركيب " أن الدين عند الله الإسلام " ، لأن الاسم قد سبق فالوجه الكناية ، ثم أجاب بأن العرب ربما أعادت الاسم موضع الكناية وأنشد :


1206 - لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا



يعني أنه من باب إيقاع الظاهر موقع المضمر ، ويزيده هنا حسنا أنه في موضع تعظيم وتفخيم .

الخامس : أن تكون على حذف حرف الجر معمولة للفظ "الحكيم " كأنه [ ص: 87 ] قيل : الحكيم بأن ، أي : الحاكم بأن ، فحكيم مثال مبالغة محول من فاعل ، فهو كالعليم والخبير والبصير ، أي : المبالغ في هذه الأوصاف ، وإنما عدل عن لفظ "حاكم " إلى "حكيم " مع زيادة المبالغة لموافقة العزيز . ومعنى المبالغة تكرار حكمه بالنسبة إلى الشرائع أن الدين عند الله هو الإسلام ، أو حكم في كل شريعة بذلك . وهذا الوجه ذكره الشيخ وكأنه من تخريجه ثم قال : "فإن قلت : لم حملت الحكيم على أنه محول من فاعل إلى فعيل للمبالغة ، وهلا جعلته فعيلا بمعنى مفعل ، فيكون بمعنى محكم ، كما قالوا : أليم بمعنى مؤلم وسميع بمعنى مسمع من قول الشاعر :


1207 - أمن ريحانة الداعي السميع      ... ... ... ...



فالجواب أنا لا نسلم أن فعيلا بمعنى مفعل ، وقد يؤول أليم وسميع على غير مفعل ، ولئن سلمنا ذلك فهو من الندور والشذوذ بحيث لا ينقاس ، بخلاف فعيل محول من فاعل فإنه كثير جدا خارج عن الحصر كعليم وسميع وقدير وحكيم وخبير وحفيظ ، إلى ألفاظ لا تحصى كثرة . وأيضا فإن العربي القح الباقي على سجيته لم يفهم عن " حكيم "إلا أنه محول من فاعل للمبالغة ، ألا ترى أنه لما سمع قارئا يقرأ : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم "أنكر أن تكون فاصلة هذا التركيب السابق : " والله غفور رحيم "فقيل له : التلاوة : " والله عزيز حكيم " ، فقال : هكذا يكون : عز فحكم فقطع " ففهم من حكيم أنه محول للمبالغة السالفة من "حاكم " ، وفهم هذا العربي حجة قاطعة بما قلناه ، وهذا تخريج [ ص: 88 ] سهل سائغ جدا ، يزيل تلك التكلفات والتركيبات المعقدة التي ينزه كتاب الله عنها . وأما على قراءة ابن عباس فكذلك نقول ، ولا نجعل "أن الدين " معمولا لـ "شهد " كما زعموا وأن "إنه لا إله إلا هو " اعتراض - يعني بين الحال وصاحبها وبين "شهد " ومعموله ، وسيأتي إيضاح ذلك - بل نقول : معمول "شهد " هو "إنه " بالكسر على تخريج من خرج أن "شهد " لما كان بمعنى القول كسر ما بعده إجراء له مجرى القول ، أو نقول "إنه " معموله وعلقت ، ولم تدخل اللام في الخبر لأنه منفي ، بخلاف أن لو كان مثبتا فإنك تقول : "شهدت إن زيدا لمنطلق " فتعلق بإن مع وجود اللام لأنه لو لم تكن اللام لفتحت "أن " فقلت : شهدت أن زيدا منطلق ، فمن قرأ بفتح "أنه " فإنه لم ينو التعليق ، ومن كسر فإنه نوى التعليق ولم تدخل اللام في الخبر لأنه منفي كما ذكرنا "انتهى .

وكان الشيخ - لما ذكر الفصل والاعتراض بين كلمات هذه الآية - قال ما نصه : " وأما قراءة ابن عباس فخرج على إن الدين عند الله الإسلام هو معمول شهد ، ويكون في الكلام اعتراضان أحدهما : بين المعطوف عليه والمعطوف ، وهو "إنه لا إله إلا هو " ، والثاني : بين المعطوف والحال وبين المفعول لشهد وهو : "لا إله إلا هو العزيز الحكيم " وإذا [ ص: 89 ] أعربنا "العزيز الحكيم " خبر مبتدأ محذوف كان ذلك ثلاثة اعتراضات . فانظر إلى هذه التوجيهات البعيدة التي لا يقدر أحد أن يأتي بنظيرهن من كلام العرب ، وإنما حمل على ذلك العجمة وعدم الإمعان في تراكيب كلام العرب وحفظ أشعارها ، وكما أشرنا إليه في خطبة هذا الكتاب أنه لن يكفي النحو وحده في علم الفصيح من كلام العرب ، بل لا بد من الاطلاع على كلام العرب والتطبع بطباعها والاستكثار من ذلك " .

قلت : ونسبته كلام أعلام الأمة إلى العجمة وعدم معرفتهم بكلام العرب وحملهم كلام الله على ما لا يجوز ، وأن هذا الوجه الذي ذكره هو تخريج سهل واضح غير مقبولة ولا مسلمة ، بل المتبادر إلى الذهن ما نقله الناس ، وتلك الاعتراضات بين أثناء كلمات الآية الكريمة موجود نظيرها في كلام العرب ، وكيف يجهل الفارسي والزمخشري والفراء وأضرابهم ذلك ، وكيف يتبجح باطلاعه على ما لم يطلع عليه مثل هؤلاء ، وكيف يظن بالزمخشري أنه لا يعرف مواقع النظم وهو المسلم له في علم المعاني والبيان والبديع ، ولا يشك أحد أنه لا بد لمن يتعرض إلى علم التفسير أن يعرف جملة صالحة من هذه العلوم ، وانظر إلى ما حكى صاحب " الكشاف "في خطبته عن الجاحظ وما ذكره في حق الجاهل بهذه العلوم ، ولكن الشيخ ينكر ذلك ويدعي أنه لا يحتاج إلى هذه العلوم البتة ، فمن ثم صدر ما ذكرته عنه .

قوله : عند الله ظرف ، العامل فيه لفظ "الدين " لما تضمنه من معنى الفعل . قال أبو البقاء : "ولا يكون حالا ، لأن " إن "لا تعمل في الحال " [ ص: 90 ] قلت : قد جوزوا في "ليت " وفي "كأن " وفي "ها " أن تعمل في الحال . قالوا : لما تضمنته هذه الأحرف من معنى التمني والتشبيه والتنبيه ، فإن للتأكيد فلتعمل في الحال أيضا ، فليست تتباعد عن "ها " التي للتنبيه ، بل هي أولى منها ، وذلك أنها عاملة و "ها " ليست بعاملة فهي أقرب لشبه الفعل من "ها " .

قوله : بغيا فيه أوجه ، أحدها : أنه مفعول من أجله ، العامل فيه "اختلف " والاستثناء مفرغ . والتقدير : وما اختلفوا إلا للبغي لا لغيره . والثاني : أنه مصدر في محل نصب على الحال من "الذين " كأنه قيل : "ما اختلفوا إلا في هذه الحال ، وليس بقوي ، والاستثناء مفرغ أيضا . [الثالث : أنه منصوب على المصدر والعامل فيه مقدر ] كأنه لما قيل : " وما اختلف "دل على معنى : " وما بغى "فهو مصدر مؤكد ، وهذا قول الزجاج ، والأول قول الأخفش ، ورجحه أبو علي . ووقع بعد " إلا "مستثنيان وهما : " من بعد "و " بغيا "وقد تقدم تخريج ذلك وما ذكر الناس فيه .

قوله : ومن يكفر " من "مبتدأ ، وفي خبره الأقوال الثلاثة ، أعني فعل الشرط وحده ، أو الجواب وحده ، أو كلاهما . وعلى القول بكونه الجواب وحده لا بد من ضمير مقدر أي : سريع الحساب له ، وقد تقدم تحقيق ذلك .

آ .(20) وفتح الياء من "وجهي " هنا وفي الأنعام نافع وابن عامر وحفص ، وسكنها الباقون .

قوله : ومن اتبعن في محل "من " أوجه ، أحدها : الرفع عطفا على [ ص: 91 ] التاء في "أسلمت " ، وجاز ذلك لوجود الفصل بالمفعول ، قاله الزمخشري وبه بدأ ، وكذلك ابن عطية . قال الشيخ : "ولا يمكن حمله على ظاهره ؛ لأنه إذا عطف على الضمير في نحو : " أكلت رغيفا وزيد "لزم من ذلك أن يكونا شريكين في أكل الرغيف ، وهنا لا يسوغ [فيه ] ذلك لأن المعنى ليس على : أسلموا هم وهو صلى الله عليه وسلم وجهه الله ، بل المعنى على أنه صلى الله عليه وسلم أسلم وجهه لله ، وهم أسلموا وجوههم لله ، فالذي يقوى في الإعراب أنه معطوف على الضمير محذوف منه المفعول ، لا مشارك في مفعول " أسلمت "والتقدير : " ومن اتبعني وجهه أو أنه مبتدأ محذوف الخبر ، لدلالة المعنى عليه ، والتقدير : ومن اتبعني كذلك أي : أسلموا وجوههم لله ، كما تقول : "قضى زيد نحبه وعمرو " أي : وعمرو كذلك ، أي : قضى نحبه " .

قلت : إنما صح في نحو : " أكلت رغيفا وزيد "المشاركة لإمكان ذلك ، وأما نحو الآية الكريمة فلا يتوهم أحد فيه المشاركة .

الثاني : أنه مرفوع بالابتداء والخبر محذوف كما تقدم تقريره . الثالث : أنه منصوب على المعية ، والواو بمعنى مع ، أي : أسلمت وجهي لله مع من اتبعني ، قاله الزمخشري أيضا . قال الشيخ : " ومن الجهة التي امتنع عطف "ومن " على الضمير إذا حمل الكلام على ظاهره دون تأويل يمتنع كون " [ ص: 92 ] من " منصوبا على أنه مفعول معه ، لأنك إذا قلت : "أكلت رغيفا وعمرا " أي : مع عمرو دل ذلك على أنه مشارك لك في أكل الرغيف ، وقد أجاز الزمخشري هذا الوجه ، وهو لا يجوز لما ذكرنا على كل حال ؛ لأنه لا يجوز حذف المفعول مع كون الواو واو "مع " البتة " . قلت : فهم المعنى وعدم الإلباس يسوغ ما ذكره الزمخشري ، وأي مانع من أن المعنى : فقل : أسلمت وجهي لله مصاحبا لمن أسلم وجهه لله أيضا ، وهذا معنى صحيح مع القول بالمعية .

الرابع : أن محل " من "الخفض نسقا على اسم الله تبارك وتعالى ، وهذا الإعراب وإن كان ظاهره مشكلا ، فقد يؤول على معنى : جعلت مقصدي لله بالإيمان به والطاعة له ولمن اتبعني بالحفظ له ، والتحفي بعلمه وبرأيه وبصحبته .

وقد أثبت الياء في " اتبعني "نافع وأبو عمرو وصلا وحذفاها وقفا ، والباقون حذفوها فيهما موافقة للرسم ، وحسن ذلك أيضا كونها فاصلة ورأس آية نحو : " أكرمن وأهانن "وعليه قول الأعشى :


1208 - وهل يمنعني ارتيادي البلا     د من حذر الموت أن يأتين



وقال الأعشى أيضا :


1209 - ومن شانئ كاسف وجهه     إذا ما انتسبت له أنكرن



قال بعضهم : "يكثر حذف هذه الياء مع نون الوقاية خاصة ، فإن لم تكن نون فالكثير إثباتها " .

[ ص: 93 ] قوله : أأسلمتم صورته استفهام ومعناه الأمر ، أي : أسلموا ، كقوله تعالى : فهل أنتم منتهون أي : انتهوا ، قال الزمخشري : "يعني أنه قد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ويقتضي حصوله لا محالة ، فهل أسلمتم بعد ، أم أنتم على كفركم ؟ وهذا كقولك لمن لخصت له المسألة ولم تبق من طرق البيان والكشف طريقا إلا سلكته : هل فهمتها أم لا ، لا أم لك ؟ ومنه قوله عز وجل : فهل أنتم منتهون بعد ما ذكر الصوارف عن الخمر والميسر ، وفي هذا الاستفهام استقصاء وتعبير بالمعاندة وقلة الإنصاف ، لأن المنصف إذا تجلت له الحجة لم يتوقف إذعانه للحق " وهو كلام حسن جدا وقوله : " فقد اهتدوا " دخلت "قد على الماضي مبالغة في تحقق وقوع الفعل وكأنه قد قرب من الوقوع .

التالي السابق


الخدمات العلمية