صفحة جزء
آ . (27) قوله تعالى : تولج : كقوله : " تؤتي " وقد تقدم ما فيه ، ويقال : ولج يلج ولوجا ولجة كعدة وولجا كوعد ، واتلج يتلج اتلاجا ، والأصل : [ ص: 103 ] اوتلج يوتلج اوتلاجا ، فقلبت الواو تاء قبل تاء الافتعال نحو : اتعد يتعد اتعادا قال الشاعر :


1221 - فإن القوافي تتلجن موالجا تضايق عنها أن تولجها الإبر



والولوج : الدخول ، والإيلاج : الإدخال ، ومعنى الآية على ذلك . وقول من قال معناه : النقص فإنما أراد أنه من باب اللازم ، لأنه تبارك وتعالى إذا أدخل من هذا في هذا فقد نقص من المأخوذ منه المدخل في ذلك الآخر ، وزعم بعضهم أن "تولج " بمعنى ترفع ، وأن "في " بمعنى "على " وليس بشيء .

قوله : من الميت اختلف القراء في هذه اللفظة على مراتب : فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم لفظ "الميت " من غير تاء تأنيث مخففا في جميع القرآن ، وسواء وصف به الحيوان نحو : وتخرج الحي من الميت أو الجماد نحو قوله تعالى : إلى بلد ميت لبلد ميت منكرا أو معرفا كما تقدم ذكره إلا قوله تعالى : إنك ميت وإنهم ميتون ، وقوله : وما هو بميت في إبراهيم ، مما لم يمت بعد فإن الكل ثقلوه ، وكذلك لفظ "الميتة " في قوله : وآية لهم الأرض الميتة دون الميتة المذكورة مع الدم فإن تيك لم يشددها إلا بعض قراء الشواد ، وقد تقدم ذكرها في [ ص: 104 ] البقرة ، وكذلك قوله : وإن يكن ميتة و بلدة ميتا و إلا أن يكون ميتة فإنها مخففات عند الجميع . وثقل نافع جميع ذلك ، والأخوان وحفص عن عاصم وافقوا ابن كثير ومن معه في الأنعام في قوله : أومن كان ميتا فأحييناه وفي الحجرات : أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ، و الأرض الميتة في يس ، ووافقوا نافعا فيما عدا ذلك ، فجمعوا بين اللغتين إيذانا بأن كلا من القراءتين صحيح ، وهما بمعنى ، لأن فيعل يجوز تخفيفه في المعتل بحذف إحدى ياءيه فيقال : هين وهين ولين ولين وميت وميت ، ومنه قول الشاعر فجمع بين اللغتين :


1222 - ليس من مات فاستراح بميت     إنما الميت ميت الأحياء
إنما الميت من يعيش كئيبا     كاسفا باله قليل الرجاء



وزعم بعضهم أن "ميتا " بالتخفيف لمن وقع به الموت ، وأن المشدد يستعمل فيمن مات ومن لم يمت كقوله تعالى : إنك ميت وإنهم ميتون وهذا مردود بما تقدم من قراءة الأخوين وحفص ، حيث خففوا في موضع لا يمكن أن يراد به الموت وهو قوله : أومن كان ميتا إذ المراد به الكفر مجازا .

[ ص: 105 ] هذا بالنسبة إلى القراء ، وإن شئت ضبطته باعتبار لفظ "الميت " فقلت : هذا اللفظ بالنسبة إلى قراءة السبعة ثلاثة أقسام : قسم لا خلاف في تثقيله وهو ما لم يمت نحو وما هو بميت و إنك ميت وإنهم ميتون ، وقسم لا خلاف في تخفيفه وهو ما تقدم في قوله : الميتة والدم و إلا أن يكون ميتة وقوله : وإن يكن ميتة وقوله فأنشرنا به بلدة ميتا وقسم فيه الخلاف وهو ما عدا ذلك وقد تقدم تفصيله . وقد تقدم أيضا أن أصل ميت : ميوت فأدغم ، وأن في وزنه خلافا : هل وزنه فيعل وهو مذهب البصريين أو فعيل وهو مذهب الكوفيين ، وأصله : مويت ، قالوا : لأن فيعلا مفقود في الصحيح فالمعتل أولى ألا يوجد فيه . وأجاب البصريون عن قولهم بأنه لا نظير له في الصحيح بأن قضاة في جمع "قاض " لا نظير له في الصحيح . وتفسير هذا الجواب أنا لا نسلم أن المعتل يلزم أن يكون له نظير من الصحيح ، ويدل على عدم التلازم : "قضاة " جمع قاض ، وفي "قضاة " خلاف طويل ليس هذا موضع ذكره . واعترض البصريون عليهم بأنه لو كان وزنه فعيلا لوجب أن يصح كما صحت نظائره من ذوات الواو نحو : طويل وعويل وقويم ، فحيث اعتل بالقلب والإدغام ، امتنع أن يدعى أن أصله فعيل لمخالفة نظائره . وهو رد حسن .

قوله : وترزق من تشاء بغير حساب يجوز أن تكون الباء للحال من الفاعل أي : ترزقه وأنت لم تحاسبه ، أي : لم تضيق عليه ، أو من المفعول أي : غير مضيق عليه . وقد تقدم الكلام على مثل هذا مشبعا في البقرة عند قوله تعالى : والله يرزق من يشاء بغير حساب فأغنى عن إعادته .

واشتملت هذه الآية على أنواع من البديع ، منها : التجنيس المماثل في [ ص: 106 ] قوله : " مالك الملك " تؤتي الملك ، وتنزع الملك "ومنها : الطباق وهو الجمع بين متضادين أو شبههما ، وذلك في قوله : " تؤتي الملك وتنزع "وفي " تعز وتذل " ، وفي قوله : " بيدك الخير "أي : والشر عند بعضهم ، وفي قوله : " الليل والنهار "وفي قوله : " الحي والميت " . ومنها رد الأعجاز على الصدور ، والصدور على الأعجاز في قوله : تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وفي قوله : وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ونحوه : عادات السادات سادات العادات " . وتضمنت من المعاني التوكيد : بإيقاع الظاهر موقع المضمر في قوله : "تؤتي الملك إلخ " وفي تجوزه بإيقاع الحرف مكان ما هو بمعناه ، والحذف لفهم المعنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية