صفحة جزء
آ . (30) قوله تعالى : يوم تجد : في ناصبه أوجه ، أحدها : أنه منصوب بقدير ، أي قدير في ذلك اليوم العظيم ، لا يقال : يلزم من ذلك تقييد قدرته بزمان ، لأنه إذا قدر في ذلك اليوم الذي يسلب كل أحد قدرته فلأن يقدر في غيره بطريق أولى وأحرى ، وإلى هذا ذهب أبو بكر بن الأنباري .

الثاني : أنه منصوب بيحذركم أي : يخوفكم عقابه في ذلك اليوم ، وإلى [هذا ] نحا أبو إسحاق ، ورجحه . ولا يجوز أن ينتصب بيحذركم المتأخرة . قال ابن الأنباري : "لأنه لا يجوز أن يكون " اليوم منصوبا بيحذركم المذكور في هذه الآية ، لأن واو النسق لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وعلى ما ذكره أبو إسحاق يكون ما بين الظرف وناصبه معترضا ، وهو كلام طويل ، والفصل بمثله مستبعد ، هذا من جهة الصناعة ، وأما من جهة المعنى فلا يصح ، لأن التخويف موجود ، واليوم موعود فكيف يتلاقيان " .

الثالث : أن يكون بالمصير ، وإليه نحا الزجاج أيضا وابن الأنباري [ ص: 115 ] ومكي وغيرهم ، وهذا ضعيف على قواعد البصريين ، للزوم الفصل بين المصدر ومعموله بكلام طويل ، وقد يقال : إن جمل الاعتراض لا نبالي بها فاصلة ، وهذا من ذاك .

الرابع : أن ينتصب بـ " اذكر "مقدرا مفعولا به لا ظرفا . وقدر الطبري الناصب له " اتقوا " ، وفي التقدير ما فيه من كونه على خلاف الأصل مع الاستغناء عنه .

الخامس : أن العامل فيه ذلك المضاف المقدر قبل " نفسه "أي : يحذركم الله عقاب نفسه يوم تجد ، فالعامل فيه " عقاب " لا "يحذركم " ، قاله أبو البقاء . وفي قوله ويحذركم فرار مما أوردته على أبي إسحاق كما تقدم تحقيقه .

السادس : أنه منصوب بتود ، قال الزمخشري : " يوم تجد منصوب بتود ، والضمير في "بينه " لليوم ، أي : يوم القيامة حين تجد كل نفس خيرها وشرها [حاضرين ] ، تتمنى لو أن بينها وبين ذلك اليوم وهوله أمدا بعيدا " . وهذا الذي ذكره الزمخشري وجه ظاهر لا خفاء بحسنه ، ولكن في هذه المسألة خلاف ضعيف : جمهور البصريين والكوفيين على جوازها ، وذهب الأخفش والفراء إلى منعها ، وضابط هذه المسألة : أنه إذا كان الفاعل ضميرا عائدا على شيء متصل بمعمول الفعل نحو : ثوبي أخويك يلبسان " فالفاعل هو الألف ، وهو ضمير عائد على "أخويك " المتصلين بمفعول يلبسان ، ومثله : "غلام هند ضربت " ففاعل "ضربت " ضمير عائد على "هند " المتصلة بغلام المنصوب بضربت ، والآية من هذا القبيل : فإن فاعل "تود " ضمير عائد على [ ص: 116 ] " نفس " المتصلة بيوم لأنها في جملة ، أضيف الظرف إلى تلك الجملة ، والظرف منصوب بتود ، والتقدير : يوم وجدان كل نفس خيرها وشرها محضرين تود كذا . احتج الجمهور على الجواز بالسماع وهو قول الشاعر :


1230 - أجل المرء يستحث ولا يد ري إذا يبتغي حصول الأماني



ففاعل "يستحث " ضمير عائد على "المرء " المتصل بـ "أجل " المنصوب بـ "يستحث " . واحتج المانعون بأن المعمول فضلة يجوز الاستغناء عنه ، وعود الضمير عليه في هذه المسائل يقتضي لزوم ذكره فيتنافى هذان السببان ، ولذلك أجمع على منع : "زيدا ضرب " و "زيدا ظن قائما " أي : ضرب نفسه وظنها ، وهو دليل واضح للمانع لولا ما يرده من السماع كما أنشدتك البيت آنفا . وفي الفرق بين "غلام زيد ضرب " وبين "زيدا ضرب " حيث جاز الأول وامتنع الثاني بمقتضى العلة المذكورة غموض وعسر ليس هذا محل ذكره .

قوله : تجد يجوز أن تكون المتعدية لواحد بمعنى تصيب ، ويكون "محضرا " على هذا منصوبا على الحال ، وهذا هو الظاهر ، ويجوز أن تكون علمية ، فتتعدى لاثنين أولهما "ما عملت " والثاني : "محضرا " وليس بالقوي في المعنى .

و "ما " يجوز فيها وجهان ، أظهرهما : أنها بمعنى الذي ، فالعائد على هذا مقدر أي : ما عملته ، فحذف لاستكمال الشروط ، و "من خير " حال : إما من الموصول وإما من عائده ، ويجوز أن تكون "من " لبيان الجنس . ويجوز أن تكون "ما " مصدرية ، ويكون المصدر حينئذ واقعا موقع المفعول تقديره : يوم تجد كل نفس عملها أي : معمولها ، فلا عائد حينئذ عند الجمهور .

[ ص: 117 ] قوله : وما عملت من سوء تود : يجوز في "ما " هذه أن تكون منسوقة على "ما " التي قبلها بالاعتبارين المذكورين فيها أي : وتجد الذي عملته أو : وتجد عملها أي : معمولها من سوء ، فإن جعلنا "تجد " متعدية لاثنين فالثاني محذوف ، أي : وتجد الذي عملته من سوء محضرا ، أو تجد عملها محضرا نحو : "علمت زيدا ذاهبا وبكرا " أي : وبكرا ذاهبا ، فحذفت مفعوله الثاني للدلالة عليه بذكره مع الأول ، وإن جعلناها متعدية لواحد فالحال من الموصول أيضا محذوفة أي : تجده محضرا ؛ أي : في هذه الحال ، وهذا نظير قولك : "أكرمت زيدا ضاحكا وعمرا " أي : وعمرا ضاحكا ، حذفت حال الثاني لدلالة حال الأول عليه ، وعلى هذا فيكون في الجملة من قوله "تود " وجهان ، أحدهما : أن تكون في محل نصب على الحال من فاعل "عملت " أي : وما عملته حال كونها وادة أي : متمنية البعد من السوء . الثاني : أن تكون مستأنفة ، أخبر الله عنها بذلك ، ويجوز أن تكون "ما " مرفوعة بالابتداء ، والخبر الجملة من قوله : "تود " أي : والذي عملته - أو وعملها - تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا .

والضمير في "بينه " فيه وجهان ، أحدهما - وهو الظاهر - عوده على "ما عملت " ، وأعاده الزمخشري على "اليوم " قال الشيخ : "وأبعد الزمخشري في عوده على " اليوم "لأن أحد القسمين اللذين أحضروا في ذلك له هو الخير الذي عمله ، ولا يطلب تباعد وقت إحضار الخير إلا بتجوز ، إذ كان يشتمل على إحضار الخير والشر فتود تباعده لتسلم من الشر ، ودعه لا يحصل له الخير ، والأولى عوده إلى ما عملت من السوء لأنه أقرب مذكور . ولأن المعنى : أن السوء يتمنى في ذلك اليوم التباعد منه " .

[ ص: 118 ] فإن قيل : هل يجوز أن تكون "ما " هذه شرطية ؟ فالجواب أن الزمخشري وابن عطية منعا من ذلك ، وجعلا علة المنع عدم [جزم ] الفعل الواقع جوابا وهو "تود " ، وهذا ليس بشيء ، لأن الناس نصوا على أنه إذا وقع فعل الشرط ماضيا والجزاء مضارعا جاز في ذلك المضارع وجهان : الجزم والرفع ، وقد سمعا من لسان العرب ، ومنه بيت زهير :


1231 - وإن أتاه خليل يوم مسألة     يقول لا غائب مالي ولا حرم



ومن الجزم قوله تعالى : من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف ، من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها فدل ذلك على أن المانع من شرطيتها ليس هو رفع "تود " ، وأجاب الشيخ بأنها ليست شرطية لا لما ذكره الزمخشري وابن عطية بل لعلة أخرى . ولنذكر هنا ما ذكره قال : "كنت سئلت عن قول الزمخشري " فذكره ثم قال : "ولنذكر ها هنا ما تمس إليه الحاجة بعد أن نقدم ما ينبغي تقديمه في هذه المسألة فنقول : إذا كان فعل الشرط ماضيا وبعده مضارع تتم به جملة الشرط والجزاء جاز في ذلك المضارع الجزم وجاز فيه الرفع ، مثال ذلك : " إن قام زيد يقم ويقوم وعمرو "فأما الجزم فعلى جواب الشرط ، ولا نعلم في ذلك خلافا وأنه فصيح إلا ما ذكره صاحب كتاب " الإعراب "عن بعض النحويين [ ص: 119 ] أنه لا يجيء في الكلام الفصيح ، وإنما يجيء مع " كان "كقوله تعالى : من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف لأنها أصل الأفعال ولا يجوز ذلك مع غيرها ، وظاهر كلام سيبويه وكلام الجماعة أنه لا يختص ذلك بـ " كان "بل سائر الأفعال في ذلك مثل " كان " ، وأنشد سيبويه للفرزدق :


1232 - دست رسولا بأن القوم إن قدروا     عليك يشفوا صدورا ذات توغير



وقال أيضا :


1233 - تعش فإن عاهدتني لا تخونني     نكن مثل من يا ذئب يصطحبان



وأما الرفع فإنه مسموع من لسان العرب كثيرا ، وقال بعض أصحابنا : هو أحسن من الجزم ، ومنه بيت زهير السابق إنشاده ، ومثله أيضا قوله :


1234 - وإن شل ريعان الجميع مخافة     نقول جهارا ويلكم لا تنفروا



وقول أبي صخر :


1235 - ولا بالذي إن بان عنه حبيبه     يقول ويخفي الصبر إني لجازع



وقال آخر :


1236 - وإن بعدوا لا يأمنون اقترابه     تشوف أهل الغائب المتنظر



[ ص: 120 ] وقال آخر :


1237 - فإن كان لا يرضيك حتى تردني     إلى قطري لا إخالك راضيا



وقال آخر :


1238 - إن يسألوا الخير يعطوه وإن خبروا     في الجهد أدرك منهم طيب أخبار



قلت : هكذا ساق هذا البيت في جملة الأبيات الدالة على رفع المضارع ، ويدل على قصده ذلك أنه قال بعد إنشاده هذه الأبيات كلها : "فهذا الرفع كما رأيت كثير " انتهى ، وهذا البيت ليس من ذلك في ورد ولا صدر لأن [المضارع فيه مجزوم وهو "يعطوه " وعلامة جزمه سقوط النون فكان ينبغي ] أن ينشده حين أنشد : "دست رسولا " وقوله : "تعال فإن عاهدتني " البيتين .

ثم قال : "فهذا الرفع كثير كما رأيت ، ونصوص الأئمة على جوازه في الكلام وإن اختلفت تأويلاتهم كما سنذكره ، وقال صاحبنا أبو جعفر أحمد بن عبد النور بن رشيد المالقي - وهو مصنف كتاب " رصف المباني "رحمه الله - : " لا أعلم منه شيئا "جاء في الكلام ، وإذا جاء فقياسه الجزم ، لأنه أصل العمل [ ص: 121 ] في المضارع ، تقدم الماضي أو تأخر " ، وتأول هذا المسموع على إضمار الفاء وجعله مثل قول الشاعر :


1239 - ... ... ... ...     إنك إن يصرع أخوك تصرع



على مذهب من جعل أن الفاء منه محذوفة . وأما المتقدمون فاختلفوا في تخريج الرفع : فذهب سيبويه إلى أن ذلك على سبيل التقديم وأن جواب الشرط ليس مذكورا عنده . وذهب المبرد والكوفيون إلى أنه هو الجواب . وإنما حذفت منه الفاء ، والفاء ما بعدها كقوله تعالى : ومن عاد فينتقم الله منه ، فأعطيت في الإضمار حكمها في الإظهار . وذهب غيرهما إلى أن المضارع هو الجواب بنفسه أيضا كالقول قبله ، إلا أنه ليس معه فاء مقدرة قالوا : لكن لما كان فعل الشرط ماضيا لا يظهر لأداة الشرط فيه عمل ظاهر استضعفوا أداة الشرط فلم يعملوها في الجواب لضعفها ، فالمضارع المرفوع عند هذا القائل جواب بنفسه من غير نية تقديم ولا على إضمار الفاء ، وإنما لم يجزم لما ذكر ، وهذا المذهب والذي قبله ضعيفان .

وتلخص من هذا الذي قلناه أن رفع المضارع لا يمنع أن يكون ما قبله شرطا لكن امتنع أن يكون "وما عملت " شرطا لعلة أخرى ، لا لكون "تود " [ ص: 122 ] مرفوعا ، وذلك على ما نقرره على مذهب سيبويه من أن النية بالمرفوع التقديم ، ويكون إذ ذاك دليلا على الجواب لا نفس الجواب فنقول : إذا كان "تود " منويا به التقديم أدى إلى تقدم المضمر على ظاهره في غير الأبواب المستثناة في العربية ، ألا ترى أن الضمير في قوله "وبينه " عائد على اسم الشرط الذي هو "ما " فيصير التقدير : "تود كل نفس لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ما عملت من سوء " فلزم من هذا التقدير تقديم المضمر على الظاهر وذلك لا يجوز .

فإن قلت : لم لا يجوز ذلك والضمير قد تأخر عن اسم الشرط وإن كانت النية به التقديم ، فقد حصل عود الضمير على الاسم الظاهر قبله ، وذلك نظير : "ضرب زيدا غلامه " فالفاعل رتبته التقديم ووجب تأخره لصحة عود الضمير ؟ فالجواب أن اشتمال الدليل على ضمير اسم الشرط يوجب تأخيره عنه لعود الضمير فيلزم من ذلك اقتضاء جملة الشرط لجملة الدليل ، وجملة الشرط إنما تقتضي جملة الجزاء لا دليله ، ألا ترى أنها ليست بعاملة في جملة الدليل ، بل إنها تعمل في جملة الجزاء ، وجملة الدليل لا موضع لها من الإعراب ، وإذا كان كذلك تدافع الأمر ، لأنها من حيث هي جملة دليل لا يقتضيها فعل الشرط ، ومن حيث عود الضمير على اسم الشرط اقتضاها فتدافعا ، وهذا بخلاف "ضرب زيدا غلامه " فإنها جملة واحدة ، والفعل عامل في الفاعل والمفعول معا ، فكل واحد منهما يقتضي صاحبه ، ولذلك جاز عند بعضهم "ضرب غلامها هندا " لاشتراك الفاعل المضاف إلى الضمير والمفعول الذي عاد عليه الضمير في العامل ، وامتنع "ضرب غلامها جار هند " لعدم الاشتراك في العامل ، فهذا فرق ما بين المسألتين ، ولا يحفظ من لسان العرب : [ ص: 123 ] "أود لو أن أكرمه أيا ضربت هند " لأنه يلزم منه تقديم المضمر على مفسره في غير المواضع التي ذكرها النحويون ، فلذلك لا يجوز تأخيره . انتهى " .

وقد جوز أبو البقاء كونها شرطية ، ولم يلتفت لما منعوا به ذلك فقال : " والثاني : أنها شرط ، وارتفع "تود " على إرادة الفاء . أي : فهي تود ، ويجوز أن يرتفع من غير تقدير حرف لأن الشرط هنا ماض ، وإذا لم يظهر في الشرط لفظ الجزم جاز في الجزاء الوجهان : الجزم والرفع " . انتهى وقد تقدم تحقيق القول في ذلك ، والظاهر موافقته للقول الثالث في تخريج الرفع في المضارع كما تقدم تحقيقه .

وقرأ عبد الله وابن أبي عبلة " ودت "بلفظ الماضي ، وعلى هذه القراءة يجوز في " ما "وجهان ، أحدهما : أن تكون شرطية ، وفي محلها حينئذ احتمالان : الأول النصب بالفعل بعدها ، والتقدير : أي شيء عملت من سوء ودت ، فودت جواب الشرط . والاحتمال الثاني : الرفع على الابتداء ، والعائد على المبتدأ محذوف تقديره : وما عملته ، وهذا جائز في اسم الشرط خاصة عند الفراء في فصيح الكلام ، أعني حذف عائد المبتدأ إذا كان منصوبا بفعل نحو : " أيهم تضرب أكرمه "برفع أيهم ، وإذا كان المبتدأ غير ذلك ضعف نحو : " زيد ضربت " . وسيأتي لهذه المسألة مزيد بيان في موضعين من القرآن ، أحدهما قراءة من قرأ : أفحكم الجاهلية يبغون . والثاني : وكل وعد الله الحسنى في الحديد ، واختلاف الناس في ذلك .

[ ص: 124 ] الوجه الثاني من وجهي "ما " أن تكون موصولة بمعنى : الذي عملته من سوء ودت لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ، ومحلها على هذا رفع بالابتداء ، و "ودت " الخبر ، واختاره الزمخشري فإنه قال : "لكن الحمل على الابتداء والخبر أوقع في المعنى لأنه حكاية الكائن في ذلك اليوم ، وأثبت لموافقة قراءة العامة " . انتهى .

فإن قلت لم لم يمتنع أن تكون "ما " شرطية على هذه القراءة كما امتنع ذلك فيها على قراءة العامة ؟ فالجواب أن العلة إن كانت رفع الفعل وعدم جزمه كما قال به الزمخشري وابن عطية فهي مفقودة في هذه القراءة لأن الماضي مبني اللفظ لا يظهر فيه لأداة الشرط عمل ، وإن كانت العلة أن النية به التقديم فليزم عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة ، فهي أيضا مفقودة فيها ؛ إذ لا داعي يدعو لذلك .

و "لو " هنا على بابها من كونها حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره ، وعلى هذا ففي الكلام حذفان ، أحدهما : حذف مفعول "يود " ، والثاني : حذف جواب "لو " ، والتقدير فيهما : تود تباعد ما بينها وبينه لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا لسرت بذلك ، أو لفرحت ونحوه . والخلاف في "لو " بعد فعل الودادة وما بمعناه أنها تكون مصدرية - كما تقدم تحريره في البقرة - يبعد مجيئه هنا ، لأن بعدها حرفا مصدريا وهو أن . قال الشيخ : "ولا يباشر حرف مصدري حرفا مصدريا إلا قليلا ، كقوله تعالى : إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون قلت : قوله " إلا قليلا "يشعر بجوازه وهو لا يجوز البتة ، فأما [ ص: 125 ] ما أورده من الآية الكريمة فقد نص النحاة على أن " ما "زائدة . وقد تقدم الكلام في " أن "الواقعة بعد " لو "هذه : هل محلها الرفع على الابتداء والخبر محذوف كما ذهب إليه سيبويه ، أو أنها في محل رفع بالفاعلية بفعل مقدر أي : لو ثبت أن بينها ؟ وما قال الناس في ذلك .

وقد زعم بعضهم أن " لو "هنا مصدرية ، هي وما في حيزها في موضع المفعول لـ " تود " ، أي : تود تباعد ما بينها وبينه ، وفيه ذلك الإشكال ، وهو دخول حرف مصدري على مثله ، ولكن المعنى على تسلط الودادة على " لو "وما في حيزها لولا المانع الصناعي .

والأمد : غاية الشيء ومنتهاه وجمعه آماد نحو : جبل وأجبال فأبدلت الهمزة ألفا لوقوعها ساكنة بعد همزة " أفعال " . وقال الراغب : " الأمد والأبد يتقاربان ، لكن الأبد عبارة عن مدة الزمان التي ليس لها حد محدود ، ولا يتقيد فلا يقال : أبد كذا ، والأمد مدة لها حد مجهول إذا أطلق ، وينحصر إذا قيل : أمد كذا ، كما يقال : زمان كذا ، والفرق بين الأمد والزمان : أن الأمد يقال باعتبار الغاية ، والزمان عام في المبدأ والغاية ، ولذلك قال بعضهم : المدى والأمد يتقاربان " .

التالي السابق


الخدمات العلمية