صفحة جزء
آ . (38) قوله تعالى : هنالك دعا : "هنا " هو الاسم واللام للبعد والكاف حرف ، وهو وزان "ذلك " ، وهو منصوب على الظرف المكاني بـ "دعا " ، أي : في ذلك المكان الذي رأى فيه ما رأى من أمر مريم ، وهو ظرف لا سوء بل يلزم النصب على الظرفية ، وقد يجر بـ "من " و "إلى " قال الشاعر :

[ ص: 148 ]

1250 - قد وردت من أمكنه من ها هنا ومن هنه



وحكمه حكم "ذا " من كونه يجرد من حرف التنبيه ومن الكاف واللام نحو : هنا ، وقد تصحبه "ها " التنبيه نحو : ها هنا ، ومع الكاف قليلا نحو : "ها هناك " ، ويمتنع الجمع بين ها واللام . وأخواته : هنا بتشديد النون مع فتح الهاء وكسرها ، وثم بفتح الثاء ، وقد يقال هنت ، ولا يشار بهذه إلا للبعيد خاصة ، ولا يشار بهنالك وما ذكر معه إلا للأمكنة .

وقد زعم بعضهم أن "هناك " و "هنالك " و "هنا " للزمان ، فمن ورود "هنالك " بمعنى الزمان عند بعضهم هذه الآية أي : في ذلك الزمان ، ومثله : هنالك ابتلي المؤمنون ومنه قول زهير :


1251 - هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا      ... ... ... ...



والظاهر أنه على مكانيته . ومن ورود "هناك " قوله :


1252 - وإذا الأمور تعاظمت وتشابهت     فهناك يعترفون أين المفزع



ومن ورود هنا قوله :


1253 - حنت نوار ولات هنا حنت     وبدا الذي كانت نوار أجنت



[ ص: 149 ] لأن "لات " لا تعمل إلا في الأحيان ، وفي البيت كلام أطول من هذا . وفي عبارة السجاوندي أن "هناك " في المكان و "هنالك " في الزمان ، وهو سهو ، لأنها للمكان سواء تجردت أم اتصلت بالكاف واللام معا أم بالكاف دون اللام .

قوله : من لدنك يجوز فيه وجهان ، أحدهما : أن يتعلق بـ "هب " وتكون "من " لابتداء الغاية مجازا أي : هب لي من عندك ، ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أنه في الأصل صفة لذرية ، فلما قدم عليها انتصب حالا . وقد تقدم الكلام على لدن وأحكامها ولغاتها . وقوله : سميع الدعاء مثال مبالغة محول من "سامع " وليس بمعنى "مسمع " لفساد المعنى .

وقوله : طيبة إن أراد بـ "ذرية " الجنس فيكون التأنيث في "طيبة " باعتبار تأنيث الجماعة ، وإن أراد به ذكرا واحدا فالتأنيث باعتبار اللفظ . قال : الفراء : "وأنث " طيبة "لتأنيث لفظ " الذرية "كما قال الشاعر :


1254 - أبوك خليفة ولدته أخرى     وأنت خليفة ، ذاك الكمال



وهذا فيما لم يقصد به واحد معين ، أما لو قصد به واحد معين امتنع اعتبار اللفظ نحو : طلحة وحمزة ، وقد جمع الشاعر بين التذكير والتأنيث في قوله :


1255 - فما تزدري من حية جبلية     سكات إذا ما عض ليس بأدردا



لأن المراد بحية اسم الجنس لا واحد بعينه .

التالي السابق


الخدمات العلمية