صفحة جزء
آ . (44) قوله : ذلك من أنباء الغيب نوحيه : يجوز فيه أوجه ، أحدها : أن يكون "ذلك " خبر مبتدأ محذوف تقديره : الأمر ذلك . و " من أنباء الغيب " على هذا يجوز أن يكون من تتمة هذا الكلام حالا من اسم الإشارة ، ويجوز أن يكون الوقف على "ذلك " ، ويكون " من أنباء الغيب " متعلقا بما بعده وتكون الجملة من "نوحيه " إذ ذاك : إما مبينة وشارحة للجملة قبلها وإما حالا .

الثاني : أن يكون "ذلك " مبتدأ ، و " من أنباء الغيب " خبره والجملة من "نوحيه " مستأنفة ، والضمير في "نوحيه " عائد على الغيب ، أي : الأمر والشأن أنا نوحي إليك الغيب ونعلمك به ونظهرك على قصص من تقدمك مع عدم مدارستك لأهل العلم والأخبار ، ولذلك أتى بالمضارع في "نوحيه " ، وهذا أحسن من عوده على "ذلك " ؛ لأن عوده على الغيب يشمل ما تقدم من القصص وما لم يتقدم منها ، ولو أعدته على "ذلك " اختص بما مضى وتقدم .

الثالث : أن يكون "نوحيه " هو الخبر ، و " من أنباء الغيب " على وجهيه المتقدمين من كونه حالا من "ذلك " أو متعلقا بنوحيه ، ويجوز فيه وجه ثالث على هذا وهو أن يجعل حالا من مفعول "نوحيه " أي : نوحيه حال كونه بعض أنباء الغيب .

[ ص: 171 ] قوله : إذ يلقون فيه وجهان أحدهما : وهو الظاهر أنه منصوب بالاستقرار العامل في الظرف الواقع خبرا . والثاني - وإليه ذهب الفارسي - أنه منصوب بكنت ، وهو عجيب منه لأنه يزعم أنها مسلوبة الدلالة على الحدث فكيف تعمل في الظرف والظرف وعاء للأحداث ؟ والذي يظهر أن الفارسي إنما جوز ذلك بناء منه على ما يجوز أن يكون مرادا في الآية ، وهو أن تكون "كان " تامة بمعنى : وما وجد في ذلك الوقت .

والضمير في "لديهم " عائد على المتنازعين في مريم وإن لم يجر لهم ذكر ، لأن السياق قد دل عليهم ، وهذا الكلام ونحوه كقوله تعالى : وما كنت بجانب الطور وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وإن كان معلوما انتفاؤه بالضرورة جار مجرى التهكم بمنكري الوحي ، يعني أنه إذا علم أنك لم تعاصر أولئك ولم تدارس أحدا في العلم فلم يبق اطلاعك عليه إلا من جهة الوحي .

والأقلام جمع "قلم " وهو فعل بمعنى مفعول أي : مقلوم ، والقلم القطع ، ومثله القبض والنقص بمعنى المقبوض والمنقوص ، وقيل له : قلم ؛ لأنه يقلم ، ومنه "قلمت ظفري " أي : قطعته وسويته ، قال زهير :


1279 - لدى أسد شاكي السلاح مقذف له لبد أظفاره لم تقلم



وقيل : سمي القلم قلما تشبيها له بالقلامة وهي نبت ضعيف ؛ وذلك أنه يرقق فيضعف . وفي المراد بالأقلام هنا خلاف : هل هي التي يكتب بها أو قداح يستهم بها كالأزلام ؟

[ ص: 172 ] قوله : أيهم يكفل مريم هذه الجملة منصوبة المحل ؛ لأنها متعلقة بفعل محذوف ، ذلك الفعل في محل نصب على الحال تقديره : يلقون أقلامهم ينظرون : أيهم يكفل مريم أو يعلمون ، وجوز الزمخشري أن يقدر "يقولون " ، فيكون محكيا به ، ودل على ذلك قوله : يلقون . وقوله : وما كنت لديهم إذ يختصمون كقوله : وما كنت لديهم إذ يلقون .

التالي السابق


الخدمات العلمية