صفحة جزء
[ ص: 213 ] آ . (55) قوله تعالى : إذ قال الله : في ناصبه ثلاثة أوجه ، أحدها : قوله : " ومكر الله " أي ومكر الله بهم في هذا الوقت . الثاني : أنه "خير الماكرين " . الثالث : اذكر مقدرا ، فيكون مفعولا به كما تقدم تقريره غير مرة .

قوله : إني متوفيك ورافعك فيه وجهان ، أظهرهما : أن الكلام على حاله من غير ادعاء تقديم وتأخير فيه ، بمعنى : إني مستوفي أجلك ومؤخرك وعاصمك من أن يقتلك الكفار إلى أن تموت حتف أنفك من غير أن تقتل بأيدي الكفار ورافعك إلى سمائي .

والثاني : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، والأصل : رافعك إلي ومتوفيك لأنه رفع إلى السماء ثم يتوفى بعد ذلك ، والواو للجمع فلا فرق بين التقديم والتأخير ، قاله أبو البقاء وبدأ به ، ولا حاجة إلى ذلك مع إمكان إقرار كل واحد في مكانه بما تقدم من المعنى ، إلا أن أبا البقاء حمل التوفي على الموت ، وذلك إنما هو بعد رفعه ونزوله إلى الأرض وحكمه بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم .

وفي قوله والله خير الماكرين إيقاع الظاهر موقع المضمر ، إذ الأصل : ومكروا ومكر الله وهو خير الماكرين .

قوله : وجاعل الذين اتبعوك فيه قولان ، أظهرهما : أنه خطاب لعيسى عليه السلام ، والثاني : أنه خطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم ، فيكون الوقف على قوله : من الذين كفروا تاما ، والابتداء بما بعده ، وجاز هذا لدلالة الحال عليه . و فوق الذين كفروا ثاني مفعولي جاعل لأنه بمعنى مصير فقط .

[ ص: 214 ] و إلى يوم متعلق بالجعل ، يعني أن هذا الجعل مستمر إلى ذلك اليوم ، ويجوز أن يتعلق بالاستقرار المقدر في "فوق " أي : جاعلهم قاهرين لهم إلى يوم القيامة ، يعني أنهم ظاهرون على اليهود وغيرهم من الكفار بالغلبة في الدنيا ، فأما يوم القيامة فيحكم الله بينهم فيدخل الطائع الجنة والعاصي النار ، وليس المعنى على انقطاع ارتفاع المؤمنين على الكافرين بعد الدنيا وانقضائها ، لأن لهم استعلاء آخر غير هذا الاستعلاء . وقال الشيخ : "والظاهر أن " إلى "تتعلق بمحذوف ، وهو العامل في " فوق " ، وهو المفعول الثاني لجاعل ، إذ " جاعل "هنا مصير ، فالمعنى كائنين فوقهم إلى يوم القيامة ، وهذا على أن الفوقية مجاز ، وأما إن كانت الفوقية حقيقية وهي الفوقية في الجنة فلا تتعلق " إلى "بذلك المحذوف بل بما تقدم من " متوفيك "أو من " رافعك "أو من " مطهرك "إذ يصح تعلقه بكل واحد منها ، أما تعلقه برافعك ، أو بمطهرك فظاهر ، وأما بمتوفيك فعلى بعض الأقوال " يعني ببعض الأقوال أن التوفي يراد به قابضك من الأرض من غير موت ، وهو قول جماعة كالحسن وابن زيد وابن جريج وغيرهم ، أو يراد به ما ذكره الزمخشري ، وهو مستوفي أجلك ، ومعناه : إني عاصمك من أن يقتلك الكفار ومؤخرك إلى أجل كتبته لك ، ومميتك حتف أنفك لا قتلا بأيدي الكفار ، وأما على قول من يقول : إنه توفي حقيقة فلا يتصور تعلقه به لأن القائل بذلك لم يقل باستمرار الوفاة إلى يوم القيامة بل قائل يقول : إنه توفي ثلاث ساعات ، وآخر يقول : توفي سبع ساعات بقدر ما رفع إلى سمائه حتى لا يلحقه خوف ولا ذعر في اليقظة ، وعلى هذا الذي ذكره الشيخ يجوز أن تكون المسألة من الإعمال ، ويكون قد تنازع في هذا الجار ثلاثة عوامل ، وإذا ضممنا إليها كون الفوقية مجازا تنازع [ ص: 215 ] فيه أربعة عوامل ، والظاهر أنه متعلق بجاعل . وقد تقدم أن أبا عمرو يسكن ميم "أحكم " ونحوه قبل الباء .

التالي السابق


الخدمات العلمية