صفحة جزء
آ . (35) قوله : الذين يجادلون يجوز فيه عشرة أوجه ، أحدها : أنه بدل من قوله : من هو مسرف وإنما جمع اعتبارا بمعنى " من " . الثاني : أن يكون بيانا له . الثالث : أن يكون صفة له . وجمع على معنى " من " أيضا . الرابع : أن ينتصب بإضمار أعني . الخامس : أن يرتفع خبر مبتدأ مضمر أي : هم الذين . السادس : أن يرتفع مبتدأ ، خبره " يطبع الله " . و " كذلك " خبر مبتدأ مضمر أيضا ، أي : الأمر كذلك . والعائد من الجملة وهي " يطبع " على [ ص: 479 ] المبتدأ محذوف ، أي : على كل قلب متكبر منهم . السابع : أن يكون مبتدأ ، والخبر " كبر مقتا " ، ولكن لا بد من حذف مضاف ليعود الضمير من " كبر " عليه . والتقدير : حال الذين يجادلون كبر مقتا ويكون " مقتا " تمييزا ، وهو منقول من الفاعلية إذ التقدير : كبر مقت حالهم أي : حال المجادلين . الثامن : أن يكون " الذين " مبتدأ أيضا ، ولكن لا يقدر حذف مضاف ، ويكون فاعل " كبر " ضميرا عائدا على جدالهم المفهوم من قوله : " ما يجادل " . والتقدير : كبر جدالهم مقتا . و " مقتا " على ما تقدم أي : كبر مقت جدالهم . التاسع : أن يكون " الذين " مبتدأ أيضا ، والخبر بغير سلطان أتاهم . قاله الزمخشري : ورده الشيخ : بأن فيه تفكيك الكلام بعضه من بعض ; لأن الظاهر تعلق " بغير سلطان " بـ " يجادلون " ، ولا يتعقل جعله خبرا لـ الذين لأنه جار ومجرور ، فيصير التقدير : الذين يجادلون كائنون أو مستقرون بغير سلطان ، أي : في غير سلطان ; لأن الباء إذ ذاك ظرفية خبر عن الجثث . العاشر : أنه مبتدأ وخبره محذوف أي : معاندون ونحوه ، قاله أبو البقاء .

قوله : " كبر مقتا " يحتمل أن يراد به التعجب والاستعظام ، وأن يراد به الذم كبئس ; وذلك أنه يجوز أن يبنى فعل بضم العين مما يجوز التعجب منه ، ويجري مجرى نعم وبئس في جميع الأحكام . وفي فاعله ستة أوجه ، الأول : أنه ضمير عائد على حال المضاف إلى الذين ، كما تقدم تقريره . الثاني : أنه ضمير يعود على جدالهم المفهوم من " يجادلون " كما تقدم أيضا . الثالث : أنه الكاف في " كذلك " . قال الزمخشري : " وفاعل " كبر " قوله : " كذلك " أي : [ ص: 480 ] كبر مقتا مثل ذلك الجدال ، ويطبع الله كلام مستأنف " ورده الشيخ : بأن فيه تفكيكا للكلام وارتكاب مذهب ليس بصحيح . أما التفكيك فلأن ما جاء في القرآن من " كذلك نطبع " أو " يطبع " إنما جاء مربوطا بعضه ببعض فكذلك هذا ، وأما ارتكاب مذهب غير صحيح فإنه جعل الكاف اسما ولا تكون اسما إلا في ضرورة ، خلافا للأخفش .

الرابع : أن الفاعل محذوف ، نقله الزمخشري . قال : " ومن قال : كبر مقتا عند الله جدالهم ، فقد حذف الفاعل ، والفاعل لا يصح حذفه " . قلت : القائل بذلك الحوفي ، لكنه لا يريد بذلك تفسير الإعراب ، إنما يريد به تفسير المعنى ، وهو معنى ما قدمته من أن الفاعل ضمير يعود على جدالهم المفهوم من فعله ، فصرح الحوفي بالأصل ، وهو الاسم الظاهر ، ومراده ضمير يعود عليه .

الخامس : أن الفاعل ضمير يعود على ما بعده ، وهو التمييز نحو : " نعم رجلا زيد " ، و " بئس غلاما عمرو " . السادس : أنه ضمير يعود على " من " من قوله : من هو مسرف . وأعاد الضمير من " كبر " مفردا اعتبارا بلفظها ، وحينئذ يكون قد راعى لفظ " من " أولا في من هو مسرف كذاب ، ثم معناها ثانيا في قوله : الذين يجادلون إلى آخره ، ثم لفظها ثالثا في قوله : " كبر " . وهذا كله إذا أعربت " الذين " تابعا لمن هو مسرف نعتا أو بيانا أو بدلا .

وقد عرفت أن الجملة من قوله : " كبر مقتا " فيها وجهان ، أحدهما : الرفع إذا جعلناها خبرا لمبتدأ . والثاني : أنها لا محل لها إذا لم تجعلها خبرا . بل هي [ ص: 481 ] جملة استئنافية . وقوله : " عند الله " متعلق بـ " كبر " ، وكذلك قد تقدم أنه يجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف ، وأن يكون فاعلا وهما ضعيفان . والثالث - وهو الصحيح - أنه معمول لـ " يطبع " أي : مثل ذلك الطبع يطبع الله . و " يطبع الله " فيه وجهان ، أظهرهما : أنه مستأنف . والثاني : أنه خبر للموصول ، كما تقدم تقرير ذلك كله .

قوله : " قلب متكبر " قرأ أبو عمرو وابن ذكوان بتنوين " قلب " ، وصفا القلب بالتكبر والجبروت ; لأنهما ناشئان منه ، وإن كان المراد الجملة ، كما وصف بالإثم في قوله : فإنه آثم قلبه . والباقون بإضافة " قلب " إلى ما بعده أي : على كل قلب شخص متكبر . وقد قدر الزمخشري مضافا في القراءة الأولى أي : على كل ذي قلب متكبر ، تجعل الصفة لصاحب القلب . قال الشيخ : " ولا ضرورة تدعو إلى اعتقاد الحذف " . قلت : بل ثم ضرورة إلى ذلك وهو توافق القراءتين ، فإنه يصير الموصوف في القراءتين واحدا ، وهو صاحب القلب ، بخلاف عدم التقدير ، فإنه يصير الموصوف في إحداهما القلب وفي الأخرى صاحبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية