صفحة جزء
آ . (48) قوله : إنا كل : العامة على رفع " كل " ، ورفعه على الابتداء و " فيها " خبره ، والجملة خبر " إن " ، وهذا كقوله في آل عمران : قل إن الأمر كله لله في قراءة أبي عمرو . وقرأ ابن السميفع وعيسى بن عمر بالنصب وفيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أن يكون تأكيدا لاسم " إن " . قال الزمخشري : " توكيد لاسم إن ، وهو معرفة . والتنوين عوض من المضاف إليه ، يريد : إنا كلنا فيها " انتهى . يعني فيكون " فيها " هو الخبر . وإلى كونه تأكيدا ذهب ابن عطية أيضا . وقد رد ابن مالك هذا المذهب فقال في " تسهيله " : " ولا يستغنى بنية إضافته خلافا للزمخشري " : قلت: وليس هذا مذهبا للزمخشري وحده بل هو منقول عن الكوفيين أيضا . الثاني : أن تكون [ ص: 488 ] منصوبة على الحال ، قال ابن مالك : " والقول المرضي عندي أن " كلا " في القراءة المذكورة منصوبة على الحال من الضمير المرفوع في " فيها " ، و " فيها " هو العامل وقد قدمت عليه مع عدم تصرفه ، كما قدمت في قراءة من قرأ : والسماوات مطويات بيمينه . وكقول النابغة :


3935 - رهط ابن كوز محقبي أدراعهم فيهم ورهط ربيعة بن حذار



وقول بعض الطائيين :


3936 - دعا فأجبنا وهو بادي ذلة     لديكم وكان النصر غير بعيد



يعني بنصب " بادي " وهذا هو مذهب الأخفش ، إلا أن الزمخشري منع من ذلك قال : " فإن قلت : هل يجوز أن يكون " كلا " حالا قد عمل فيه " فيها " ؟ قلت : لا ; لأن الظرف لا يعمل في الحال متقدمة كما يعمل في الظرف متقدما . تقول : كل يوم لك ثوب . ولا تقول : قائما في الدار زيد " . قال الشيخ : " وهذا الذي منعه أجازه الأخفش إذا توسطت الحال نحو : " زيد قائما [ ص: 489 ] في الدار " و " زيد قائما عندك " ، والمثال الذي ذكره ليس مطابقا لما في الآية ; لأن الآية تقدم فيها المسند إليه الحكم وهو اسم إن ، وتوسطت الحال إذا قلنا إنها حال ، وتأخر العامل فيها . وأما تمثيله بقوله : ولا تقول : " قائما في الدار زيد " ، فقد تأخر فيه المسند والمسند إليه . وقد ذكر بعضهم أن المنع في ذلك إجماع من النحاة " .

قلت : الزمخشري منعه صحيح لأنه ماش على مذهب الجمهور ، وأما تمثيله بما ذكر فلا يضره لأنه في محل المنع ، فعدم تجويزه صحيح .

الثالث أن " كلا " بدل من " نا " في " إنا " ، لأن " كلا " قد وليت العوامل فكأنه قيل : إن كلا فيها .

وإذا كانوا قد تأولوا قوله :


2937 - ... ... ... ... حولا أكتعا

[وقوله : ] .


2938 - ... ... ... ... وحولا أجمعا

على البدل مع عدم تصرف أكتع وأجمع فلأن يجوز ذلك في " كل " أولى [ ص: 490 ] وأحرى . وأيضا فإن المشهور تعريف " كل " حال قطعها . حكي في الكثير الفاشي : " مررت بكل قائما وببعض جالسا " ، وعزاه بعضهم لسيبويه . وتنكير " كل " ونصبها حالا في غاية الشذوذ نحو : " مررت بهم كلا " أي : جميعا . فإن قيل : فيه بدل الكل من الكل في ضمير الحاضر ، وهو لا يجوز . أجيب بوجهين ، أحدهما : أن الكوفيين والأخفش يرون ذلك ، وأنشدوا قوله :


3939 - أنا سيف العشيرة فاعرفوني     حميدا قد تذريت السناما



فحميدا بدل من ياء " اعرفوني " ، وقد تأوله البصريون على نصبه على الاختصاص . والثاني : أن هذا الذي نحن فيه ليس محل الخلاف لأنه دال على الإحاطة والشمول . وقد قالوا : إنه متى كان البدل دالا على ذلك جاز ، وأنشدوا :


3940 - فما برحت أقدامنا في مكاننا     ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا



ومثله قوله تعالى : تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ، قالوا " ثلاثتنا " بدل من " نا " في " مكاننا " لدلالتها على الإحاطة ، وكذلك " لأولنا وآخرنا " بدل من " ن " في " لنا " ، فلأن يجوز ذلك في " كل " التي هي أصل في الشمول والإحاطة بطريق الأولى . هذا كلام الشيخ في الوجه الثالث وفيه نظر ; لأن المبرد [ ص: 491 ] ومكيا نصا على أن البدل في هذه الآية لا يجوز ، فكيف يدعى أنه لا خلاف في البدل والحالة هذه ؟ لا يقال : إن في الآية قولا رابعا : وهو أن " كلا " نعت لاسم " إن " وقد صرح الكسائي والفراء بذلك فقالا : هو نعت لاسم " إن " لأن الكوفيين يطلقون اسم النعت على التأكيد ، ولا يريدون حقيقة النعت . وممن نص على ما قلته من التأويل المذكور مكي رحمه الله تعالى ، ولأن الكسائي إنما جوز نعت ضمير الغائب فقط دون المتكلم والمخاطب .

التالي السابق


الخدمات العلمية