1. الرئيسية
  2. الدر المصون
  3. تفسير سورة السجدة
  4. تفسير قوله تعالى ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين
صفحة جزء
آ . (11) والدخان : ما ارتفع من لهب النار ، ويستعار لما يرى من بخار الأرض عند جدبها . وقياس جمعه في القلة : أدخنة ، وفي الكثرة : دخنان نحو [ ص: 511 ] غراب وأغربة وغربان ، وشذوا في جمعه على دواخن . قيل : هو جمع داخنة تقديرا على سبيل الإسناد المجازي . ومثله : عثان وعواثن .

قوله : وهي دخان من باب التشبيه الصوري ; لأن صورتها صورة الدخان في رأي العين .

قوله : " أتينا " قرأ العامة " ائتيا " أمرا من الإتيان ، " قالتا أتينا " منه أيضا . وقرأ ابن عباس وابن جبير ومجاهد : " آتيا قالتا آتينا " بالمد فيهما . وفيه وجهان ، أحدهما : أنه من المؤاتاة ، وهي الموافقة أي : ليوافق كل منكما الأخرى لما يليق بها ، وإليه ذهب الرازي والزمخشري . فوزن " آتيا " فاعلا كقاتلا ، و " آتينا " وزنه فاعلنا كقاتلنا . والثاني : أنه من الإيتاء بمعنى الإعطاء ، فوزن آتيا أفعلا كأكرما ، ووزن آتينا أفعلنا كأكرمنا . فعلى الأول يكون قد حذف مفعولا ، وعلى الثاني يكون قد حذف مفعولين إذ التقدير : أعطيا الطاعة من أنفسكما من أمركما . قالتا : أعطيناه الطاعة .

وقد منع أبو الفضل الرازي الوجه الثاني . فقال : " آتينا " بالمد على فاعلنا من المؤاتاة ، بمعنى سارعنا ، على حذف المفعول به ، ولا تكون من الإيتاء الذي هو الإعطاء لبعد حذف مفعوليه " . قلت : وهذا هو الذي منع الزمخشري أن يجعله من الإيتاء .

قوله " طوعا أو كرها " مصدران في موضع الحال أي : طائعتين [ ص: 512 ] أو مكرهتين . وقرأ الأعمش " كرها " " بالضم . وقد تقدم الكلام على ذلك في النساء .

قوله : " قالتا " أي : قالت السماء والأرض . وقال ابن عطية : " أراد الفرقتين المذكورتين . جعل السماوات سماء ، والأرضين أرضا ، وهو نحو قول الشاعر :


3948 - ألم يحزنك أن حبال قومي وقومك قد تباينتا انقطاعا



عبر عنهما بـ " تباينتا " . قال الشيخ : " وليس كما ذكر ; لأنه لم يتقدم إلا ذكر الأرض مفردة والسماء مفردة ، فلذلك حسن التعبير بالتثنية . وأما البيت فكأنه قال : حبلي قومي وقومك ، وأنث في " تباينتا " على المعنى لأنه عنى بالحبال المودة " .

قوله : " طائعين " في مجيئه مجيء جمع المذكرين العقلاء وجهان ، أحدهما : أن المراد : أتيا بمن فيهما من العقلاء وغيرهم ، فلذلك غلب العقلاء على غيرهم ، وهو رأي الكسائي . والثاني : أنه لما عاملهما معاملة العقلاء في الإخبار عنهما والأمر لهما جمعا كجمعهم ، كقوله : رأيتهم لي ساجدين وهل هذه المحاورة حقيقة أو مجاز ؟ وإذا كانت مجازا فهل هو تمثيل أو تخييل ؟ خلاف .

[ ص: 513 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية