صفحة جزء
آ . (14) قوله : إذ جاءتهم : فيه أوجه ، أحدها : أنه ظرف لـ " أنذرتكم " نحو : لقيتك إذ كان كذا . الثاني : أنه منصوب بصاعقة لأنها بمعنى العذاب أي : أنذرتكم العذاب الواقع في وقت مجيء رسلهم . الثالث : أنه صفة لـ " صاعقة " الأولى . الرابع : أنه حال من " صاعقة " الثانية ، قالهما أبو البقاء وفيهما نظر ; إذ الظاهر أن الصاعقة جثة وهي قطعة نار تنزل من السماء فتحرق ، كما تقدم في تفسيرها أول هذا التصنيف ; فلا يقع الزمان صفة لها ولا حالا عنها ، وتأويلها بمعنى العذاب إخراج لها عن مدلولها من غير ضرورة ، وإنما جعلها وصفا للأولى لأنها نكرة ، وحالا من الثانية لأنها معرفة لإضافتها إلى علم ، ولو جعلها حالا من الأولى ; لأنها تخصصت بالإضافة لجاز فتعود الوجوه خمسة .

قوله : من بين أيديهم ومن خلفهم الظاهر أن الضميرين عائدان على [ ص: 515 ] عاد وثمود . وقيل : الضمير في " خلفهم " يعود على الرسل . واستبعد هذا من حيث المعنى ; إذ يصير التقدير : جاءتهم الرسل من خلف الرسل ، أي : من خلف أنفسهم . وقد يجاب عنه : بأنه من باب " درهم ونصفه " أي : ومن خلف رسل آخرين .

قوله : ألا تعبدوا يجوز في " أن " ثلاثة أوجه ، أحدها : أن تكون المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن محذوف ، والجملة النهيية بعدها خبر ، كذا أعربه الشيخ . وفيه نظر من وجهين ، أحدهما : أن المخففة لا تقع بعد فعل إلا من أفعال اليقين . الثاني : أن الخبر في باب " إن " وأخواتها لا يكون طلبا ، فإن ورد منه شيء أول ولذلك تأولوا [قول الشاعر : ]


3950 - إن الذين قتلتم أمس سيدهم لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما



وقول الآخر :


3951 - ولو أصابت لقالت وهي صادقة     إن الرياضة لا تنصبك للشيب



على إضمار القول . الثاني : أنها الناصبة للمضارع ، والجملة النهيية بعدها صلتها وصلت بالنهي كما توصل بالأمر في " كتبت إليه بأن قم " ، وقد مر في وصلها بالأمر إشكال يأتي مثله في النهي . الثالث : أن تكون مفسرة [ ص: 516 ] لمجيئهم لأنه يتضمن قولا ، و " لا " في هذه الأوجه كلها ناهية ، ويجوز أن تكون نافية على الوجه الثاني ، ويكون الفعل منصوبا بـ " أن " بعد " لا " النافية ، فإن " لا " النافية لا تمنع العامل أن يعمل فيما بعدها نحو : " جئت بلا زيد " ، ولم يذكر الحوفي غيره .

قوله : " لو شاء " قدر الزمخشري مفعول " شاء " : لو شاء إرسال الرسل لأنزل ملائكة . قال الشيخ : " تتبعت القرآن وكلام العرب فلم أجد حذف مفعول " شاء " الواقع بعد " لو " إلا من جنس جوابها نحو :

ولو شاء الله لجمعهم على الهدى أي : لو شاء جمعهم على الهدى لجمعهم عليه ، لو نشاء لجعلناه حطاما ، لو نشاء جعلناه أجاجا ، ولو شاء ربك لآمن ، ولو شاء ربك ما فعلوه ، لو شاء الله ما عبدنا من دونه . وقال الشاعر :


3952 - فلو شاء ربي كنت قيس بن خالد     ولو شاء ربي كنت قيس بن مرثد



وقال الراجز : [ ص: 517 ]

3953 - واللذ لو شاء لكنت صخرا     أو جبلا أشم مشمخرا



قال : " فعلى ما تقرر لا يكون المحذوف ما قدره الزمخشري ، وإنما التقدير : لو شاء ربنا إنزال ملائكة بالرسالة منه إلى الإنس لأنزلهم بها إليهم ، وهذا أبلغ في الامتناع من إرسال البشر ، إذ علقوا ذلك بإنزال الملائكة ، وهو لم يشأ ذلك فكيف يشاء ذلك في البشر ؟ " قلت : وتقدير أبي القاسم أوقع معنى وأخلص من إيقاع الظاهر موقع المضمر ; إذ يصير التقدير : لو شاء إنزال ملائكة لأنزل ملائكة .

قوله : بما أرسلتم به هذا خطاب لهود وصالح وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام ، وغلب المخاطب على الغائب نحو : " أنت وزيد تقومان " . و " ما " يجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي وعائدها به ، وأن تكون مصدرية أي : بإرسالكم ، فعلى هذا يكون " به " [يعود ] على ذلك المصدر المؤول ، ويكون من باب التأكيد كأنه قيل : كافرون بإرسالكم به .

التالي السابق


الخدمات العلمية