آ . (64) قوله تعالى :
إلى كلمة : متعلق بتعالوا فذكر مفعول "تعالوا " بخلاف "تعالوا " قبلها فإنه لم يذكر مفعوله ، لأن المقصود مجرد الإقبال ، ويجوز أن يكون حذفه للدلالة عليه تقديره : تعالوا إلى المباهلة .
وقرأ العامة "كلمة " بفتح الكاف وكسر اللام ، وهو الأصل .
وأبو السمال "كلمة " بزنة سدرة ، وكلمة كضربة ، وتقدم هذا قريبا . و "كلمة " مفسرة بما بعدها من قوله :
ألا نعبد فالمراد بها كلام كثير ، وهذا من باب إطلاق الجزء ، والمراد به الكل ، ومنه تسميتهم القصيدة جمعا : قافية ، والقافية جزء منها ، قال :
1318 - أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني وكم علمته نظم القوافي
فلما قال قافية هجاني
ويقولون : "كلمة الشهادة " يعنون : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=653553أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد " يريد قوله :
[ ص: 232 ] 1319 - ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل
وهذا كما يسمون الشيء بجزأيه في الأعيان لأنه المقصود منه ، قالوا لربيبة القوم - وهو الذي ينظر لهم ما يحتاجون إليه - عين ، فأطلقوا عليه عينا . وقال بعضهم : وضع المفرد موضع الجمع ، كما قال :
1320 - بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب
وقيل : أطلقت الكلمة على الكلمات لارتباط بعضها ببعض ، فصارت في قوة الكلمة الواحدة ، إذا اختل جزء منها اختلت الكلمة ، لأن كلمة التوحيد : لا إله إلا الله ، هي كلمات لا تتم النسبة المقصودة فيها من حصر الإلهية في الله إلا بمجموعها .
وقرأ العامة : "سواء " بالجر نعتا لكلمة بمعنى عدل ، ويدل عليه قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله : "إلى كلمة عدل " وهذا تفسير لا قراءة . و "سواء " في الأصل مصدر ، ففي الوصف التأويلات الثلاثة المعروفة ، ولذلك لم يؤنث كما لم يؤنث بـ "امرأة عدل " .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : "سواء " بالنصب وفيها وجهان ، أحدهما : نصبها على المصدر ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : "بمعنى استوت استواء " ، وكذا
nindex.php?page=showalam&ids=14183الحوفي . والثاني : أنه منصوب على الحال ، وجاءت الحال من النكرة ، وقد نص
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه عليه واقتاسه ، وكذا قال الشيخ ، ولكن المشهور غيره ، والذي حسن مجيئها
[ ص: 233 ] من النكرة هنا كون الوصف بالمصدر على خلاف الأصل ، والصفة والحال متلاقيان من حيث المعنى ، وكأن الشيخ غض من تخريج
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري والحوفي فقال : "والحال والصفة متلاقيان من حيث المعنى ، والمصدر يحتاج إلى إضمار عامل وإلى تأويل " سواء "بمعنى استواء ، والأشهر استعمال " سواء "بمعنى اسم الفاعل أي : " مستو "قلت : وبذلك فسرها
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فقال : " إلى كلمة مستوية " .
قوله :
ألا نعبد فيه ستة أوجه ، أحدها : أنه بدل من " كلمة "بدل كل من كل ، الثاني : أنه بدل من " سواء " ، جوزه
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء ، وليس بواضح ، لأن المقصود إنما هو الموصوف لا صفته ، فنسبة البدلية إلى الموصوف أولى . وعلى الوجهين فإن وما في حيزها في محل جر . الثالث : أنه في محل رفع خبرا لمبتدأ مضمر ، والجملة استئناف جواب لسؤال مقدر ، لأنه لما قيل : تعالوا إلى كلمة "قال قائل : ما هي ؟ فقيل : هي أن لا نعبد ، وعلى هذه الأوجه الثلاثة فـ " بين "منصوب بسواء ظرف له أي : يقع الاستواء في هذه الجهة ، وقد صرح بذلك
زهير حيث قال :
1321 - أرونا خطة لا غيب فيها يسوي بيننا فيها السواء
والوقف التام حينئذ عند قوله
من دون الله لارتباط الكلام معنى وإعرابا . الرابع : أن تكون " أن "وما في حيزها في محل رفع بالابتداء ، والخبر الظرف قبله .
الخامس : جوز
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء أن يكون فاعلا بالظرف قبله ، وهذا إنما
[ ص: 234 ] يتأتى على رأي
nindex.php?page=showalam&ids=13674الأخفش ، إذ لم يعتمد الظرف ، وحينئذ يكون الوقف على " سواء "ثم يبتدأ بقوله :
بيننا وبينكم ألا نعبد وهذا فيه بعد من حيث المعنى ثم إنهم جعلوا هذه الجملة صفة لكلمة ، وهذا غلط لعدم رابط بين الصفة والموصوف وتقدير العائد ليس بالسهل ، وعلى هذا فقول
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبي البقاء : " وقيل : تم الكلام على "سواء " ثم استأنف فقال :
بيننا وبينكم ألا نعبد أي بيننا وبينكم التوحيد ، فعلى هذا يكون "أن لا نعبد " مبتدأ ، والظرف خبره ، والجملة صفة للكلمة " غير واضح ، لأنه من حيث جعلها صفة كيف يحسن أن يقول : تم الكلام على " سواء "ثم استأنف ، بل كان الصواب على هذا الإعراب أن تكون الجملة استئنافية كما تقدم .
السادس : أن يكون " أن لا نعبد "مرفوعا بالفاعلية بسواء ، وإلى هذا ذهب
الزماني فإن التقدير عنده : إلى كلمة مستوفيها بيننا وبينكم عدم عبادة غير الله تعالى ، قال الشيخ : " إلا أن فيه إضمار الرابط وهو "فيها " وهو ضعيف " .
قوله :
فإن تولوا فقولوا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء : " هو ماض ولا يجوز أن يكون التقدير : "فإن تتولوا " لفساد المعنى لأن قوله :
فقولوا اشهدوا خطاب للمؤمنين وتتولوا "للمشركين ، وعند ذلك لا يبقى في الكلام جواب الشرط والتقدير : فقولوا : لهم . وهذا الذي قاله ظاهر جدا .