صفحة جزء
آ . (11) قوله : فاطر : العامة على رفعه خبرا لـ " ذلكم " أو نعتا لـ " ربي " على تمحض إضافته . و " عليه توكلت " معترض على هذا ، أو مبتدأ ، وخبره " جعل لكم " أو خبر مبتدأ مضمر أي : هو . وزيد بن علي : [ ص: 543 ] " فاطر " بالجر نعتا للجلالة في قوله : " إلى الله " ، وما بينهما اعتراض أو بدلا من الهاء في " عليه " أو " إليه " .

وقال مكي : " وأجاز الكسائي النصب على النداء " . وقال غيره : على المدح . ويجوز في الكلام الخفض على البدل من الهاء في " عليه " . قلت : قد قرأ بالخفض زيد بن علي . وأما نصبه فلم أحفظه قراءة .

قوله : " يذرؤكم فيه " يجوز أن تكون " في " على بابها . والمعنى : يكثركم في هذا التدبير ، وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجا حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد . والضمير في " يذرؤكم " للمخاطبين والأنعام . وغلب العقلاء على غيرهم الغيب . قال الزمخشري : " وهي من الأحكام ذات العلتين " . قال الشيخ : " وهو اصطلاح غريب ، ويعني : أن الخطاب يغلب على الغيبة إذا اجتمعا " . ثم قال الزمخشري : " فإن قلت : ما معنى يذرؤكم في هذا التدبير ؟ وهلا قيل يذرؤكم به . قلت : جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير . ألا تراك تقول : للحيوان في خلق الأزواج تكثير ، كما قال تعالى : ولكم في القصاص حياة .

والثاني : أنها للسببية كالباء أي : يكثركم بسببه . والضمير يعود للجعل أو للمخلوق " .

قوله : ليس كمثله شيء في هذه الآية أوجه ، أحدها - وهو المشهور [ ص: 544 ] عند المعربين - أن الكاف زائدة في خبر ليس ، و " شيء " اسمها . والتقدير : ليس شيء مثله . قالوا : ولولا ادعاء زيادتها للزم أن يكون له مثل . وهو محال ; إذ يصير التقدير على أصالة الكاف : ليس مثل مثله شيء ، فنفى المماثلة عن مثله ، فثبت أن له مثلا ، لا مثل لذلك المثل ، وهذا محال تعالى الله عن ذلك .

وقال أبو البقاء : " ولو لم تكن زائدة لأفضى ذلك إلى المحال ; إذ كان يكون المعنى : أن له مثلا وليس لمثله مثل . وفي ذلك تناقض ; لأنه إذا كان له مثل فلمثله مثل وهو هو ، مع أن إثبات المثل لله تعالى محال " . قلت : وهذه طريقة غريبة في تقرير الزيادة ، وهي طريقة حسنة فيها حسن صناعة .

والثاني : أن مثلا هي الزائدة كزيادتها في قوله تعالى : بمثل ما آمنتم به . قال الطبري : " كما زيدت الكاف في قوله :


3966 - وصاليات ككما يؤثفين



وقول الآخر :

3967 - فصيروا مثل كعصف مأكول

[ ص: 545 ] وهذا ليس بجيد ; لأن زيادة الأسماء ليست بجائزة . وأيضا يصير التقدير ليس كـ هو شيء ، ودخول الكاف على الضمائر لا يجوز إلا في شعر .

الثالث : أن العرب تقول " مثلك لا يفعل كذا " يعنون المخاطب نفسه ; لأنهم يريدون المبالغة في نفي الوصف عن المخاطب ، فينفونها في اللفظ عن مثله ، فيثبت انتفاؤها عنه بدليلها . ومنه قول الشاعر :


3968 - على مثل ليلى يقتل المرء نفسه     وإن بات من ليلى على اليأس طاويا



وقال أوس بن حجر :


3969 - ليس كمثل الفتى زهير     خلق يوازيه في الفضائل



وقال آخر :


3970 - سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم     فما كمثلهم في الناس من أحد



قال ابن قتيبة : " العرب تقيم المثل مقام النفس فتقول : مثلي لا يقال [ ص: 546 ] له هذا ، أي : أنا لا يقال لي " . قيل : و [نظير ] نسبة المثل إلى من لا مثل له قولك : فلان يده مبسوطة تريد أنه جواد ، ولا نظر في الحقيقة إلى اليد ، حتى تقول ذلك لمن لا يد له كقوله تعالى : بل يداه مبسوطتان .

الرابع : أن يراد بالمثل الصفة ، وذلك أن المثل بمعنى المثل والمثل الصفة ، كقوله تعالى : " مثل الجنة " فيكون المعنى : ليس مثل صفته تعالى شيء من الصفات التي لغيره ، وهو محمل سهل .

التالي السابق


الخدمات العلمية