صفحة جزء
آ . (73) قوله تعالى : إلا لمن تبع : في هذه اللام وجهان ، أحدهما : أنها زائدة مؤكدة ، كهي في قوله تعالى : ردف لكم أي : ردفكم ، وقول الآخر :


1332 - فلما أن تواقفنا قليلا أنخنا للكلاكل فارتمينا



وقول الآخر :


1333 - ما كنت أخدع للخليل بخلة     حتى يكون لي الخليل خدوعا



أي : أنخنا الكلاكل ، وأخدع الخليل ، ومثله :


1334 - يذمون للدنيا وهم يرضعونها     أفاويق حتى ما يدر لها ثعل



يريد : يذمون الدنيا ، ويروي "بالدنيا " بالباء ، وأظن البيت : "يذمون لي [ ص: 251 ] الدنيا " فاشتبه اللفظ على السامع ، وكذا رأيته في بعض التفاسير ، وهذا ليس بقوي .

والثاني : أن "أمن " ضمن معنى أقر واعترف ، فعدي باللام أي : ولا تقروا ولا تعترفوا إلا لمن تبع دينكم ، ونحوه : فما آمن لموسى وما أنت بمؤمن لنا . وقال أبو علي : "وقد تعدى " آمن "باللام في قوله : فما آمن لموسى آمنتم له يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين فذكر أنه يتعدى بها من غير تضمين . والصواب ما قدمته من التضمين ، وقد حققت هذا أول البقرة .

وهذا استثناء مفرغ ، وقال أبو البقاء : " إلا لمن تبع "فيه وجهان ، أحدهما : أنه استثناء مما قبله ، والتقدير : ولا تقروا إلا لمن تبع " فعلى هذا اللام غير زائدة ، ويجوز أن تكون زائدة ، ويكون محمولا على المعنى أي : اجحدوا كل أحد من تبع ، والثاني : أن النية به التأخير والتقدير : ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم ، فاللام على هذا زائدة ، و "من " في موضع نصب على الاستثناء من "أحد " .

وقال الفارسي : "الإيمان لا يتعدى إلى مفعولين فلا يتعلق أيضا بجارين ، وقد تعلق بالجار المحذوف من قوله : أن يؤتى فلا يتعلق باللام في قوله : لمن تبع دينكم إلا أن يحمل الإيمان على معناه ، فيتعدى إلى [ ص: 252 ] مفعولين ، ويكون المعنى : " ولا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم كما تقول : أقررت لزيد بألف ، فتكون اللام متعلقة بالمعنى ، ولا تكون زائدة على حد ردف لكم إن كنتم للرؤيا تعبرون . قلت : فهذا تصريح من أبي علي بأنه ضمن آمن معنى أقر .

قوله : أن يؤتى أحد اعلم أن في هذه الآية كلاما كثيرا لا بد من إيراده عن قائليه ليتضح ذلك ، فأقول وبالله العون : اختلف الناس في هذه الآية على [وجوه :] أحدها : أن يكون أن يؤتى أحد متعلقا بقوله : ولا تؤمنوا على حذف حرف الجر ، والأصل : "وتؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم " فلما حذف حرف الجر جرى الخلاف المشهور بين الخليل وسيبويه في محل "أن " ، ويكون قوله : قل إن الهدى هدى الله جملة اعتراضية ، قال الزمخشري في تقرير هذا الوجه وبه بدأ : "ولا تؤمنوا متعلق بقوله : " أن يؤتى أحد " ، وما بينهما اعتراض أي : " ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم ، أرادوا : أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا مثل ما أوتيتم ولا تفشوه إلا لأشياعكم وحدهم دون المسلمين ، لئلا يزيدهم ثباتا ، ودون المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام ، أو يحاجوكم عطف على "أن يؤتى " . والضمير في "يحاجوكم " لأحد لأنه في معنى الجميع ، بمعنى : ولا تؤمنوا لغير أتباعكم ، فإن المسلمين يحاجوكم عند ربكم بالحق ، ويغالبونكم عند الله . فإن قلت : ما معنى الاعتراض ؟ قلت : معناه أن الهدى هدى الله ، من شاء أن يلطف به حتى يسلم أو يزيد ثباتا كان ذلك ، ولم ينفع كيدكم وحيلكم [ ص: 253 ] وزيكم تصديقكم عن المسلمين والكافرين ، وكذلك قوله : قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء يريد الهداية والتوفيق " . قلت : هذا كلام حسن لولا ما يريد بباطنه ، وعلى هذا يكون قوله إلا لمن تبع مستثنى من شيء محذوف ، تقديره : ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم لأحد من الناس إلا لأشياعكم دون غيرهم ، وتكون هذه الجملة أعني قوله : ولا تؤمنوا إلى آخرها - من كلام الطائفة المتقدمة ، أي : وقالت طائفة كذا ، وقالت أيضا : ولا تؤمنوا ، وتكون الجملة من قوله : قل إن الهدى هدى الله من كلام الله لا غير .

الثاني : أن اللام زائدة في " لمن تبع "وهو مستثنى من أحد المتأخر ، والتقدير : ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم ، فمن تبع منصوب على الاستثناء من " أحد " ، وعلى هذا الوجه جوز أبو البقاء في محل " أن يؤتى "ثلاثة أوجه : الأول والثاني مذهب الخليل وسيبويه وقد تقدما . الثالث : النصب على المفعول من أجله تقديره : مخافة أن يؤتى .

وهذا الوجه الثاني لا يصح من جهة المعنى ولا من جهة الصناعة : أما المعنى فواضح ، وأما الصناعة فلأن فيه تقديم المستثنى على المستثنى منه وعلى عامله ، وفيه أيضا تقديم ما في صلة " أن "عليها ، وهو غير جائز .

الثالث : أن يكون " أن يؤتى "مجرورا بحرف العلة وهو اللام ، والمعلل محذوف تقديره : لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبرتموه ، لا لشيء آخر ، وعلى هذا يكون كلام الطائفة قد تم عند قوله إلا لمن تبع دينكم ، ولنوضح هذا الوجه بما قاله الزمخشري . قال رحمه الله : " أو تم الكلام عند قوله : إلا لمن تبع دينكم ، على معنى : ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر [ ص: 254 ] وهو إيمانهم وجه النهار إلا لمن تبع دينكم ، إلا لمن كانوا تابعين لدينكم ممن أسلموا منكم ، لأن رجوعهم كان أرجى عندهم من رجوع من سواهم ، ولأن إسلامهم كان أغيظ لهم ، وقوله : أن يؤتى أحد معناه : لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبرتموه لا لشيء آخر ، يعني أن ما بكم من الحسد والبغي أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من فضل العلم والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلتم ، والدليل عليه قراءة ابن كثير : "أأن يؤتى أحد " بزيادة همزة الاستفهام للتقرير والتوبيخ بمعنى : ألأن يؤتى أحد ؟ فإن قلت : فما معنى قوله " أو يحاجوكم " على هذا ؟ قلت : معناه دبرتم ما دبرتم لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ولما يتصل به عند كفركم به من محاجتهم لكم عند ربكم " .

الرابع : أن ينتصب "أن يؤتى بفعل مقدر يدل عليه ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كأنه قيل : قل إن الهدى هدى الله فلا تنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، فلا تنكروا ناصب لأن وما في حيزها ، لأن قوله ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم إنكار لأن يؤتى أحد مثل ما أوتوا . قال الشيخ : " وهذا بعيد لأن فيه حذف حرف النهي وحذف معموله ، ولم يحفظ ذلك من لسانهم "قلت : متى دل على العامل دليل جاز حذفه على أي حالة كان .

الخامس : أن يكون " هدى الله "بدلا من " الهدى "الذي هو اسم إن ، ويكون خبر إن : أن يؤتى أحد ، والتقدير : قل إن هدى الله أن يؤتى أحد ، أي : إن هدى الله إيتاء أحد مثل ما أوتيتم ، وتكون " أو "بمعنى " حتى " ، والمعنى : حتى يحاجوكم عند ربكم فيغلبوكم ويدحضوا حجتكم عند الله ، ولا يكون " أو يحاجوكم "معطوفا على أن يؤتى وداخلا في حيز أن .

السادس : أن يكون " أن يؤتى "بدلا من هدى الله ، ويكون المعنى : قل [ ص: 255 ] إن الهدى هدى الله وهو أن يؤتى أحد كالذي جاءنا نحن ، ويكون قوله : " أو يحاجوكم "بمعنى أو فليحاجوكم فإنهم يغلبونكم ، قاله ابن عطية ، وفيه نظر ، لأنه يؤدي إلى حذف حرف النهي وإبقاء عمله .

السابع : أن تكون " لا "النافية مقدرة قبل " أن يؤتى "فحذفت لدلالة الكلام عليها وتكون " أو "بمعنى إلا أن ، والتقدير : ولا تؤمنوا لأحد بشيء إلا لمن تبع دينكم بانتفاء أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم ، وجاء بمثله وعاضدا له ، فإن ذلك لا يؤتاه غيركم إلا أن يحاجوكم كقولك : لألزمنك أو تقضيني حقي ، وفيه ضعف من حيث حذف " لا "النافية ، وما ذكروه من دلالة الكلام عليها غير ظاهر .

الثامن : أن يكون "أن يؤتى " مفعولا من أجله ، وتحرير هذا القول أن تجعل قوله : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم ليس داخلا تحت قوله "قل " بل هو من تمام قول الطائفة متصل بقوله : ولا تؤمنوا إلا لمن جاء بمثل دينكم مخافة أن يؤتى أحد من النبوة والكرامة مثل ما أوتيتم ، ومخافة أن يحاجوكم بتصديقكم إياهم عند ربكم إذا لم تستمروا عليه . وهذا القول منهم ثمرة حسدهم وكفرهم مع معرفتهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولما قدر المبرد المفعول من أجله هنا قدر المضاف : كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أي : ممن خالف دين الإسلام ، لأن الله لا يهدي من هو كاذب وكفار ، فهدى الله بعيد من غير المؤمنين ، والخطاب في "أوتيتم " و "يحاجوكم " لأمة النبي صلى الله عليه وسلم .

واستضعف بعضهم هذا وقال : كونه مفعولا من أجله على تقدير : "كراهة " يحتاج إلى تقدير عامل فيه ويصعب بتقديره ، إذ قبله جملة لا يظهر تعليل النسبة فيها بكراهة الإيتاء المذكور .

[ ص: 256 ] التاسع : أن "أن " المفتوحة تأتي للنفي كما تأتي "لا " نقل ذلك بعضهم نصا عن الفراء ، وجعل "أو " بمعنى إلا ، والتقدير : لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا أن يحاجوكم ، فإن إيتاءه ما أوتيتم مقرون بمغالبتكم أو محاجتكم عند ربكم ، لأن من آتاه الله الوحي لا بد أن يحاجهم عند ربهم في كونهم لا يتبعونه ، فقوله : "أو يحاجوكم " حال لازمة من جهة المعنى ، إذ لا يوحي الله لرسول إلا وهو محاج مخالفيه . وهذا قول ساقط إذ لم يثبت ذلك من لسان العرب .

واختلفوا في الجملة من قوله : " ولا تؤمنوا " هل هي من مقول الطائفة أم من مقول الله تعالى ، على معنى أن الله تعالى خاطب به المؤمنين تثبيتا لقلوبهم وتسكينا لجأشهم ؛ لئلا يشكوا عند تلبس اليهود عليهم وتزويرهم ؟ وقد نقل ابن عطية الإجماع من أهل التأويل على أنه من مقول الطائفة ، وليس بسديد لما نقله الناس من الخلاف .

و "أحد " يجوز أن يكون في الآية الكريمة من الأسماء الملازمة للنفي وألا يكون ، بل يكون بمعنى واحد . وقد تقدم الفرق بينهما بأن الملازم للنفي همزته أصلية ، والذي لا يلازم النفي همزته بدل من واو ، فعلى جعله ملازما للنفي يظهر عود الضمير عليه جمعا اعتبارا بمعناه ، لأن المراد به العموم ، وعليه قوله : فما منكم من أحد عنه حاجزين جمع الخبر لما كان "أحد " في معنى الجميع ، وعلى جعله غير الملازم للنفي يكون جمع الضمير في "يحاجوكم " باعتبار الرسول عليه السلام وأتباعه . وبعض الأوجه المتقدمة يصح أن يجعل فيها "أحد " المذكور الملازم للنفي ، وذلك إذا كان الكلام [ ص: 257 ] على معنى الجحد ، وإذا كان الكلام على معنى الثبوت كما مر في بعض الوجوه فيمتنع جعله الملازم للنفي ، والأمر واضح مما تقدم .

وقرأ ابن كثير : "أأن يؤتى " بهمزة استفهام وهو على قاعدته في كونه يسهل الثانية بين بين من غير مد بينهما . وخرجت هذه القراءة على أوجه ، أحدها : أن يكون "أن يؤتى " على حذف حرف الجر وهو لام العلة والمعلل محذوف ، تقديره : ألأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبرتموه . وقد قدمت تحقيق هذا فحينئذ يسوغ في محل "أن " الوجهان : أعني النصب مذهب سيبويه ، والجر مذهب الخليل .

الثاني : أن "أن يؤتى " في محل رفع بالابتداء والخبر محذوف تقديره : أأن يؤتى أحد يا معشر اليهود مثل ما أوتيتم من الكتاب والعلم تصدقون به أو تعترفون به أو تذكرونه لغيركم أو تشيعونه في الناس ونحو ذلك مما يحسن تقديره ، وهذا على قول من يقول : "أزيد ضربته " وهو وجه مرجوح ، كذا قدره الواحدي تبعا للفارسي ، وأحسن من هذا التقدير لأنه الأصل : أإتيان أحد مثل ما أوتيتم ممكن أو مصدق به .

الثالث : أن يكون منصوبا بفعل مقدر يفسره هذا الفعل المضمر ، وتكون المسألة من باب الاشتغال والتقدير : أتذكرون أن يؤتى أحد تذكرونه ، فتذكرونه مفسر لتذكرون الأول على حد : "أزيدا ضربته " ثم حذف الفعل الأخير المفسر لدلالة الكلام عليه ، وكأنه منطوق به ، ولكونه في قوة المنطوق [ ص: 258 ] به صح له أن يفسر مضمرا ، وهذه المسألة منصوص عليها . وهذا أرجح من الوجه قبله ، لأنه مثل : أزيدا ضربته ، وهو راجح لأجل الطالب للفعل ، ومثل حذف هذا الفعل المقدر لدلالة ما قبل الاستفهام عليه حذف الفعل في قوله : آلآن وقد عصيت قيل : تقديره : الآن آمنت ورجعت وتبت ونحو ذلك .

قال الواحدي : "فإن قيل : كيف وجد دخول " أحد "في هذه القراءة وقد انقطع من النفي والاستفهام ، وإذا انقطع الكلام إيجابا وتقريرا فلا يجوز دخول " أحد " ؟ قيل : يجوز أن يكون " أحد "في هذا الموضع " أحدا "الذي في نحو : أحد وعشرين وهذا يقع في الإيجاب ، ألا ترى أنه بمعنى واحد . وقال أبو العباس : " إن أحدا ووحدا وواحدا بمعنى " .

وقوله : " أو يحاجوكم " " أو "في هذه القراءة بمعنى حتى ، ومعنى الكلام : أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم تذكرونه لغيركم حتى يحاجكم عند ربكم . قال الفراء : " ومثله في الكلام : تعلق به أو يعطيك حقك ، ومثله قول امرئ القيس :


1335 - فقلت له : لا تبك عينك إنما     نحاول ملكا أو نموت فنعذرا



أي : حتى ، ومن هذا قوله تعالى : ليس لك من الأمر شيء أو يتوب [ ص: 259 ] عليهم قال : "فهذا وجه ، وأجود منه أن تجعله عطفا على الاستفهام ، والمعنى : أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجكم أحد عند الله تصدقونه وهذا كله معنى قول الفارسي ، ويجوز أن يكون " أن يؤتى أحد "منصوبا بفعل مقدر لا على سبيل التفسير ، بل لمجرد الدلالة المعنوية تقديره : أتذكرون أو أتشيعون أن يؤتى أحد ، ذكره الفارسي أيضا ، وهذا هو الوجه الرابع .

الخامس : أن يكون " أن يؤتى "في قراءته مفعولا من أجله على أن يكون داخلا تحت القول لا من قول الطائفة . وهو أظهر من جعله من قول الطائفة .

وقد ضعف الفارسي قراءة ابن كثير فقال : " وهذا موضع ينبغي أن ترجح فيه قراءة غير ابن كثير على قراءة ابن كثير ، لأن الأسماء المفردة ليس بمستمر فيها أن تدل على الكثرة " . وقرأ الأعمش وشعيب بن أبي حمزة : " إن يؤتى "بكسر الهمزة ، وخرجها الزمخشري على أنها : " إن "النافية فقال : " على إن النافية ، وهو متصل بكلام أهل الكتاب أي : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع [ ص: 260 ] دينكم وقولوا لهم : ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم حتى يحاجوكم عند ربكم ، يعني لا يؤتون مثله فلا يحاجونكم " .

وقال ابن عطية : " وهذه القراءة تحتمل أن يكون الكلام خطابا من الطائفة القائلة ، ويكون قولها "أو يحاجوكم " بمعنى : أو فليحاجوكم وهذا على التصميم على أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتي ، أو تكون بمعنى : إلا أن يحاجوكم ، وهذا على تجويز أن يؤتى أحد ذلك إذا قامت الحجة له "فقد ظهر على ما ذكر ابن عطية أنه يجوز في " أو "في هذه القراءة أن تكون على بابها من كونها للتخيير والتنويع ، وأن تكون بمعنى " إلا " ، إلا أن فيه حذف حرف الجزم وإبقاء عمله ، وهو لا يجوز ، وعلى قول غيره تكون بمعنى حتى .

وقرأ الحسن : " أن يؤتي أحد "على بناء الفعل للفاعل . ولما نقل هذه القراءة بعضهم لم يتعرض لـ " أن "بفتح ولا كسر كأبي البقاء ، وتعرض لها بعضهم فقيدها بكسر " إن "وفسرها بـ " إن "النافية ، والظاهر في معناها أن إنعام الله لا يشبهه إنعام أحد من خلقه ، وهي خطاب من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، والمفعول محذوف تقديره : إن يؤتي أحد أحدا مثل ما أوتيتم ، فحذف المفعول الأول وهو " أحدا "لدلالة المعنى عليه ، وأبقي الثاني . وهذا ما تلخص من كلام الناس في هذه الآية مع اختلافه ولله الحمد . قال الواحدي : " وهذه الآية من مشكلات القرآن وأصعبه تفسيرا ، ولقد تدبرت أقوال أهل التفسير والمعاني في هذه الآية ، فلم أجد قولا يطرد في هذه الآية من أولها إلى آخرها مع بيان المعنى وصحة النظم .

التالي السابق


الخدمات العلمية