صفحة جزء
آ . (32) قوله : إن وعد الله : العامة على كسر الهمزة : لأنها محكية بالقول . والأعرج وعمرو بن فائد بفتحها . وذلك مخرج على لغة سليم : يجرون القول مجرى الظن مطلقا . وفيه قوله :


4036 - إذا قلت أني آيب أهل بلدة ... ... ... ...



[ ص: 656 ] قوله : " والساعة " قرأ حمزة بنصبها عطفا على " وعد الله " . والباقون برفعها ، وفيه ثلاثة أوجه : الابتداء وما بعدها من الجملة المنفية خبرها . الثاني : العطف على محل اسم " إن " لأنه قبل دخولها مرفوع بالابتداء . الثالث : أنه عطف على محل " إن " واسمها معا ; لأن بعضهم كالفارسي والزمخشري يرون أن لـ " إن " واسمها موضعا ، وهو الرفع بالابتداء .

قوله : " إلا ظنا " هذه الآية لا بد فيها من تأويل : وذلك أنه يجوز تفريغ العامل لما بعده من جميع معمولاته ، مرفوعا كان أو غير مرفوع ، إلا المفعول المطلق فإنه لا يفرغ له . لا يجوز " ما ضربت إلا ضربا " كأنه لا فائدة فيه ; وذلك أنه بمنزلة تكرير الفعل فكأنه في قوة " ما ضربت إلا ضربت " . وكانت هذه العلة خطرت لي حتى رأيت مكيا وأبا البقاء نحوا إليها فلله الحمد .

وقال الزمخشري : " فإن قلت : ما معنى " إن نظن إلا ظنا " ؟ قلت : أصله نظن ظنا . ومعناه إثبات الظن فحسب . فأدخل حرف النفي والاستثناء ليفاد إثبات الظن ونفي ما سواه ; وزيد نفي ما سوى الظن توكيدا بقوله : وما نحن بمستيقنين . فظاهر كلامه أنه لا يتأول الآية بل حملها على ظاهرها ; ولذلك قال الشيخ : " وهذا كلام من لا شعور له بالقاعدة النحوية : من أن التفريغ [ ص: 657 ] يكون في جميع المعمولات من فاعل ومفعول وغيرهما إلا المصدر المؤكد فإنه لا يكون فيه " .

وقد اختلف الناس في تأويلها على أوجه ، أحدها : ما قاله المبرد وهو : أن الأصل : إن نحن إلا نظن ظنا . قال : " ونظيره ما حكاه أبو عمرو " ليس الطيب إلا المسك " تقديره : ليس إلا الطيب المسك " قلت : يعني أن اسم " ليس " ضمير الشأن مستتر فيها ، وإلا الطيب المسك في محل نصب خبرها ، وكأنه خفي عليه أن لغة تميم إبطال عمل " ليس " إذا انتقض نفيها بـ " إلا " قياسا على " ما " الحجازية ، والمسألة طويلة مذكورة في كتابي " شرح التسهيل " وعليها حكاية جرت بين أبي عمرو وعيسى بن عمر . الثاني : أن " ظنا " له صفة محذوفة تقديره : إلا ظنا بينا ، فهو مختص لا مؤكد . الثالث : أن يضمن " نظن " معنى نعتقد ، فينتصب " ظنا " مفعولا به لا مصدرا . الرابع : أن الأصل : إن نظن إلا أنكم تظنون ظنا ، فحذف هذا كله ، وهو معزو للمبرد أيضا . وقد ردوه عليه : من حيث إنه حذف أن واسمها وخبرها وأبقى المصدر . وهذا لا يجوز . الخامس : أن الظن يكون بمعنى العلم والشك فاستثنى الشك كأنه قيل : ما لنا اعتقاد إلا الشك . ومثل الآية قول الأعشى :


4037 - وحل به الشيب أثقاله     وما اعتره الشيب إلا اعترارا



يريد اعترارا بينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية