صفحة جزء
آ . (84) قوله تعالى : قل آمنا بالله في هذه الآية احتمالان أحدهما : أن يكون المأمور بهذا المقول - وهو آمنا إلى آخره - محمدا صلى الله عليه وسلم ، ثم في ذلك معنيان ، أحدهما : أن يكون هو وأمته مأمورين بذلك ، وإنما حذف معطوفه لفهم المعنى ، والتقدير : قل يا محمد أنت وأمتك : آمنا بالله ، وهذا تقدير ابن عطية . والثاني من المعنيين أن المأمور هنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم وحده ، وإنما خوطب بلفظ الجمع تعظيما له . قال الزمخشري : "ويجوز أن يؤمر بأن يتكلم عن نفسه كما تتكلم [ ص: 298 ] الملوك إجلالا من الله لقدر نبيه " قلت : وهو معنى حسن . والاحتمال الثاني : أن يكون المأمور بهذا المقول من تقدم ، والتقدير : قل لهم قولوا آمنا ، فآمنا منصوب بقل على الاحتمال الأول ، وبقولوا المقدر على الثاني ، وذلك القول المضمر منصوب المحل .

وهذه الآية شبيهة بالتي في البقرة ، إلا أن هنا تعدية أنزل بعلى ، وهناك بإلى . فقال الزمخشري : "لوجود المعنيين جميعا لأن الوحي ينزل من فوق وينتهي إلى الرسل ، فجاء تارة بأحد المعنيين وأخرى بالآخر " وقال ابن عطية : "الإنزال على نبي الأمة إنزال عليها " ، وهذا لا طائل فيه بالنسبة إلى طلب الفرق . وقال الراغب : "إنما قال هنا " على "لأن ذلك لما كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم وكان واصلا إليه من الملأ الأعلى بلا واسطة بشرية كان لفظ " على "المختص بالعلو أولى به ، وهناك لما كان خطابا للأمة ، وقد وصل إليهم بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم كان لفظ " إلى "المختص بالإيصال أولى ، ويجوز أن يقال : " أنزل عليه "إنما يحمل على ما أمر المنزل عليه أن يبلغه غيره ، و " أنزل إليه "على ما خص به في نفسه وإليه نهاية الإنزال ، وعلى ذلك قال : أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم وقال : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم خص هنا بإلى لما كان مخصوصا بالذكر [الذي ] هو بيان المنزل ، وهذا كلام في الأولى لا في الوجوب " .

[ ص: 299 ] وهذا الذي ذكره الراغب رده الزمخشري فقال : "ومن قال : إنما قيل " علينا "لقوله " قل " ، و " إلينا "لقوله " قولوا "تفرقة بين الرسول والمؤمنين ، لأن الرسول يأتيه الوحي على طريق الاستعلام ويأتيهم على وجه الانتهاء فقد تعسف ، [ألا ترى ] إلى قوله بما أنزل إليك وأنزلنا إليك الكتاب وإلى قوله : آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا .

وفي البقرة : وما أوتي النبيون وهنا " والنبيون "لأن التي في البقرة لفظ الخطاب فيها عام ، ومن حكم خطاب العام البسط دون الإيجاز بخلاف الخطاب هنا فإنه خاص فلذلك اكتفى فيه بالإيجاز دون الإطناب . وباقي كلمات جمل الآية تقدم الكلام عليها في البقرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية