آ . (99) قوله تعالى :
لم تصدون : "لم " متعلق بالفعل بعده ، و "
من آمن " مفعول ، وقوله " يبغونها " يجوز أن تكون جملة مستأنفة أخبر عنهم بذلك ، وأن تكون في محل نصب على الحال ، وهو أظهر من الأول لأن الجملة الاستفهامية جيء بعدها بجملة حالية أيضا وهي قوله :" وأنتم تشهدون" فتتفق الجملتان في انتصاب الحال عن كل منهما ، ثم إذا قلنا بأنها حال ففي صاحبها احتمالان ، أحدهما : أنه فاعل "
تصدون " ، والثاني : أنه "سبيل الله " وإنما جاز الوجهان لأن الجملة اشتملت على ضمير كل منهما .
والعامة على "تصدون " بفتح التاء من صد يصد ثلاثيا ، ويستعمل لازما ومتعديا . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : "تصدون " بضم التاء من أصد مثل أعد ، ووجهه أن يكون عدى "صد " اللازم بالهمزة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذو الرمة :
1362 - أناس أصدوا الناس بالسيف عنهم ... ... ... ...
و "
عوجا " فيه وجهان ، أحدهما : أنه مفعول به ، وذلك أن يراد تبغون : تطلبون ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري : "تطلبون لها اعوجاجا ، تقول
العرب : "
[ ص: 326 ] ابغني كذا "بوصل الألف أي : اطلبه لي و " أبغني كذا "بقطع الألف أي : أعني على طلبه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : " البغي يقتصر له على مفعول واحد إذا لم يكن معه اللام كقولك : بغيت المال والأجر والثواب ، وها هنا أريد : يبغون لها عوجا ، فلما سقطت اللام عمل الفعل فيما بعدها كما قالوا : "وهبتك درهما " يريدون : وهبت لك ، ومثله : "صدتك ظبيا " أي : صدت لك ، قال الشاعر :
1363 - فتولى غلامهم ثم نادى أظليما أصيدكم أم حمارا
يريد : أصيد لكم ظليما ومثله : "جنيتك كمأة وجنيتك رطبا " والأصل : جنيت لك ، فحذف ونصب " .
والثاني : أنه حال من فاعل " يبغونها "وذلك أن يراد بـ " تبغون "معنى تتعدون ، والبغي التعدي ، والمعنى : تبغون عليها أو فيها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : " كأنه قال : تبغونها ضالين " .
والعوج بالكسر والعوج بالفتح - الميل ، ولكن العرب فرقوا بينهما ، فخصوا المكسور بالمعاني والمفتوح بالأعيان ، تقول : في دينه وكلامه عوج بالكسر - ، وفي الجدار عوج بالفتح - . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة : " العوج بالكسر - الميل في الدين والكلام والعمل ، وبالفتح في الحائط والجذع "وقال
أبو إسحاق : " بالكسر فيما لا ترى له شخصا ، وبالفتح فيما له شخص وقال صاحب "المجمل " :
[ ص: 327 ] "بالفتح في كل منتصب كالحائط ، والعوج - يعني بالكسر - ما كان في بساط أو دين أو أرض أو معاش " فقد جعل الفرق بينهما بغير ما تقدم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب : "العوج : العطف عن حال الانتصاب ، يقال : عجت البعير بزمامه ، وفلان ما يعوج عن شيء يهم به أي يرجع ، والعوج - يعني بالفتح - يقال فيما يدرك بالبصر كالخشب المنتصب ونحوه ، والعوج يقال فيما يدرك بفكر وبصيرة ، كما يكون في أرض بسيطة عوج فيعرف تفاوته بالبصيرة وكالدين والمعاش " قلت : وهذا قريب من قول
ابن فارس لأنه كثيرا ما يأخذ منه .
وقد سأل
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في سورة طه عند قوله
لا ترى فيها عوجا ولا أمتا حاصله يرجع إلى أنه كيف قيل : عوج بالكسر - في الأعيان ، وإنما يقال في المعاني ؟ وأجاب هناك بجواب حسن سيأتي بيانه إن شاء الله ، والسؤال إنما يجيء على قول
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبي عبيدة nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج المتقدم ، وأما على قول
ابن فارس nindex.php?page=showalam&ids=14343والراغب فلا يرد .
ومن مجيء العوج بمعنى الميل من حيث الجملة قوله :
1364 - تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم علي إذا حرام
وقول
امرئ القيس :
1365 - عوجا على الطلل المحيل لأننا نبكي الديار كما بكى ابن حذام
[ ص: 328 ] أي : ولم تميلوا ، وميلا . وأما قولهم : "ما يعيج زيد بالدواء " أي : ما ينتفع به فمن مادة أخرى ومعنى آخر . والعاج : هذا العظم ألفه مجهولة ، لا نعلم : أمنقلبة عن واو أو ياء ، وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=675603أنه قال لثوبان "اشتر nindex.php?page=showalam&ids=129لفاطمة سوارا من عاج " قال
القتيبي : "العاج : الذبل " ، وقال
أبو خراش الهذلي في امرأة :
1366 - فجاءت كخاصي العير لم تحل جاجة ولا عاجة منها تلوح على وشم
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : "العاجة : الذبلة ، والجاجة : تخمين خرزة ما يساوي فلسا ، وقوله كخاصي العير : هذا مثل تقوله العرب لمن جاء مستحييا من أمر فيقال : " "جاء كخاصي العير " والعير : الحمار ، يعنون جاء مستحييا .
ويقال : عاج بالمكان وعوج به أي : أقام وقطن وفي حديث
إسماعيل عليه السلام : "ها أنتم عائجون " أي مقيمون ، وأنشدوا
لجرير :
1367 - هل أنتم عائجون بنا لغنا نرى العرصات أو أثر الخيام
كذا أنشد هذا البيت
الهروي مستشهدا به على الإقامة ، وليس بظاهر ، بل المراد بعائجون في البيت مائلون وملتفتون ، وفي الحديث : "
ثم عاج رأسه إليها " أي التفت إليها .
[ ص: 329 ] و "ها " في "يبغونها " عائدة على سبيل ، والسبيل يذكر ويؤنث كما تقدم ، ومن التأنيث هذه الآية ، وقوله تعالى :
هذه سبيلي وقول الآخر :
1368 - فلا تبعد فكل فتى أناس سيصبح سالكا تلك السبيلا
قوله :
وأنتم شهداء حال : إما من فاعل "تصدون " وإما من فاعل "تبغون " ، وإما مستأنف ، وليس بظاهر ، وتقدم أن "شهداء " جمع شهيد أو شاهد .