صفحة جزء
آ . (102) قوله تعالى : حق تقاته : فيه وجهان : أن "تقاة " مصدر ، وهو من باب إضافة الصفة إلى موصوفها ؛ إذ الأصل : اتقوا الله التقاة الحق أي : الثابت كقولك : "ضربت زيدا أشد الضرب تريد : الضرب الشديد ، وقد تقدم تحقيق كون " تقاة "مصدرا في أول السورة ، وزاد ابن عطية هنا أن " تقاة "يجوز أن يكون جمعا ، وهو في ذلك كالمخالف [ ص: 331 ] للإجماع فقال : " ويصح أن يكون "التقاة " في هذه الآية جمع فاعل ، وإن كان لم يتصرف منه فيكون كرماة ورام ، أو يكون جمع تقي ، إذ فعيل وفاعل بمنزلة ، ويكون المعنى على هذا : اتقوا الله كما يحق أن يكون متقوه المختصون به ، ولذلك أضيفوا إلى ضمير الله تعالى " . قال الشيخ : " وهذا المعنى ينبو عنه هذا اللفظ ، إذ الظاهر من قوله حق تقاته من باب إضافة الصفة إلى موصوفها ، كما تقول : "ضربت زيدا شديد الضرب " أي الضرب الشديد ، وكذلك هذا أي : اتقوا الله الاتقاء الحق أي : الواجب الثابت ، أما إذا جعلت التقاة جمعا فإن المعنى يصير مثل : اضرب زيدا حق ضرابه ، فلا يدل هذا التركيب على معنى : اضرب زيدا كما يحق أن يكون ضرابه ، بل لو صرح بهذا التركيب لاحتيج في فهم معناه إلى تقدير أشياء يصح بتقديرها المعنى ، والتقدير : اضرب زيدا ضربا حقا كما يحق أن يكون ضرب ضرابه ، ولا حاجة تدعو إلى تحميل اللفظ غير ظاهره وتكلف تقادير يصح بها معنى لا يدل عليها اللفظ " .

قوله : ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون هو نهي في الصورة عن موتهم إلا على هذه الحالة ، والمراد دوامهم على الإسلام ، وذلك أن الموت لا بد منه ، فكأنه قيل : دوموا على الإسلام إلى الموت ، وقريب منه ما حكى سيبويه : " لا أرينك ها هنا "أي لا تكن بالحضرة فتقع عليك رؤيتي . والجملة من قوله : وأنتم مسلمون في محل نصب على الحال والاستثناء مفرغ من الأحوال العامة أي : لا تموتن على حالة من سائر الأحوال إلا على هذه الحال الحسنة ، وجاء بها جملة اسمية لأنها أبلغ وآكد ، إذ فيها ضمير متكرر ، ولو قيل : " إلا مسلمين "لم يفد هذا التأكيد ، وتقدم إيضاح هذا التركيب في البقرة عند قوله [ ص: 332 ] تعالى : إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون .

التالي السابق


الخدمات العلمية