صفحة جزء
آ. (20) قوله: ومناة : قرأ ابن كثير "مناءة" بهمزة مفتوحة بعد الألف، والباقون بألف وحدها، وهي صخرة كانت تعبد من [ ص: 93 ] دون الله. فأما قراءة ابن كثير فاشتقاقها من النوء، وهو المطر لأنهم يستمطرون عندها الأنواء، ووزنها حينئذ مفعلة فألفها عن واو، وهمزتها أصلية، وميمها زائدة. وأنشدوا على ذلك:


4130 - ألا هل أتى تيم بن عبد مناءة على النأي فيما بيننا ابن تميم



وقد أنكر أبو عبيد قراءة ابن كثير ، وقال: "لم أسمع الهمز". قلت: قد سمعه غيره، والبيت حجة عليه.

وأما قراءة العامة فاشتقاقها من منى يمني أي: صب; لأن دماء النسائك كانت تصب عندها، وأنشدوا لجرير :


4131 - أزيد مناة توعد يا بن تيم     تأمل أين تاه بك الوعيد



وقال أبو البقاء : "وألفه من ياء لقولك: منى يمني إذا قدر، ويجوز أن تكون من الواو، ومنه منوان"، فوزنها على قراءة القصر فعلة.

"والأخرى" صفة لمناة. قال أبو البقاء : "والأخرى توكيد; لأن الثالثة لا تكون إلا أخرى". وقال الزمخشري : "والأخرى ذم وهي المتأخرة الوضيعة المقدار، كقوله: قالت أخراهم أي: وضعاؤهم [ ص: 94 ] لأشرافهم، ويجوز أن تكون الأولية والتقدم عندهم للات والعزى". انتهى. وفيه نظر; لأن الأخرى إنما تدل على الغيرية وليس فيها تعرض لمدح ولا ذم، فإن جاء شيء من هذا فلقرينة خارجية. وقيل: الأخرى صفة للعزى; لأن الثانية أخرى بالنسبة إلى الأولى. وقال الحسين بن الفضل: "فيه تقديم وتأخير"، أي: العزى الأخرى ومناة الثالثة، ولا حاجة إلى ذلك لأن الأصل عدمه.

و"أرأيت" بمعنى أخبرني فيتعدى لاثنين، أولهما: "اللات وما عطف عليها". والثاني: الجملة الاستفهامية من قوله: ألكم الذكر ، فإن قيل: لم يعد من هذه الجملة ضمير على المفعول الأول. فالجواب: أن قوله: "وله الأنثى" في قوة "وله هذه الأصنام" وإن كان أصل التركيب: ألكم الذكر وله هن، أي: تلك الأصنام، وإنما أوثر هذا الاسم الظاهر لوقوعه رأس فاصلة.

وقد جعل الزجاج المفعول الثاني محذوفا فإنه قال: "وجه تلفيق هذه الآية مع ما قبلها فيقول: أخبروني عن آلهتكم هل لها شيء من القدرة والعظمة التي وصف بها رب العزة في الآي السالفة". انتهى. فعلى هذا يكون قوله: "ألكم الذكر" متعلقا بما قبله من حيث المعنى، لا من حيث الإعراب. وجعل ابن عطية الرؤية هنا بصرية فقال: "وهي من رؤية العين; لأنه أحال على أجرام مرئية، ولو كانت "أرأيت" التي هي استفتاء لم تتعد"، وهذا كلام مثبج، وقد تقدم لك الكلام عليها مشبعا في الأنعام وغيرها.

التالي السابق


الخدمات العلمية