صفحة جزء
آ . (107) قوله تعالى : ففي رحمة الله : فيه وجهان : أحدهما : أن الجار متعلق بخالدون . و "فيها " تأكيد لفظي للحرف ، والتقدير : فهم خالدون في رحمة الله فيها ، وقد تقرر أنه لا يؤكد الحرف تأكيدا لفظيا إلا بإعادة ما دخل عليه أو بإعادة ضميره كهذه الآية ، ولا يجوز أن يعود وحده إلا في ضرورة كقوله :


1382 - حتى [تراها ] وكأن وكأن أعناقها مشددات بقرن



كذا ينشدون هذا البيت ، وأصرح منه في الباب :


1383 - فلا والله لا يلفى لما بي     ولا للما بهم أبدا دواء



[ ص: 345 ] ويحسن ذلك إذا اختلف لفظهما كقوله :


1384 - فأصبحن لا يسألنني عن بما به      ... ... ... ...



اللهم إلا أن يكون ذلك الحرف قائما مقام جملة فيكرر وحده كحروف الجواب كنعم نعم وبلى بلى ولا لا .

والثاني : أن قوله : ففي رحمة خبر لمبتدأ مضمر ، والجملة بأسرها جواب "أما " والتقدير : فهم مستقرون في رحمة الله ، وتكون الجملة بعده من قوله : هم فيها خالدون جملة مستقلة من مبتدأ وخبر دلت على أن الاستقرار في الرحمة على سبيل الخلود ، فلا تعلق لها بالجملة قبلها من حيث الإعراب .

قال الزمخشري : "فإن قلت : كيف موقع قوله : هم فيها خالدون بعد قوله : ففي رحمة الله ؟ قلت : موقع الاستئناف ، كأنه قيل : كيف يكونون فيها ؟ فقيل : هم فيها خالدون لا يظعنون عنها ولا يموتون " .

وقرأ أبو الجوزاء وابن يعمر "اسوادت وابياضت " بألف ، وقد تقدم أن قراءتهما : تبياض وتسواد وهذا قياسها . وأصل افعل هذا أن يكون دالا على لون أو عيب حسي كاعور واسود واحمر ، وألا يكون من مضعف كأحم ، ولا معتل اللام كألهى ، وألا يكون للمطاوعة ، وندر "انهار الليل " و "اشعار الرجل " أي تفرق شعره ، إذ لا دلالة فيهما على عيب ولا لون ، وندر أيضا "ارعوى " فإنه معتل اللام مطاوع لـ "رعوته " بمعنى كففته ، وليس دالا على عيب [ ص: 346 ] ولا لون ، وأما دخول الألف في افعل هذا فدال على عروض ذلك المعنى ، وعدمها دال على ثبوته واستقراره ، فإذا قلت : اسود وجهه دل على اتصافه بالسواد من غير عروض فيه ، وإذا قلت "اسواد " دل على حدوثه ، هذا هو الغالب وقد يعكس قال تعالى : مدهامتان والقصد به الدلالة على لزوم الوصف بذلك للجنتين ، وقوله تعالى : تزاور عن كهفهم القصد به العروض لازورار الشمس لا الثبوت والاستقرار ، كذا قيل ، وفيه نظر محتمل ، لأن المقصود وصف الشمس بهذه الصفة الثابتة بالنسبة إلى هؤلاء القوم خاصة .

وقوله : فذوقوا من باب الاستعارة ، جعل العذاب شيئا يدرك بحاسة الأكل والذوق تصويرا له بصورة ما يذاق . وقوله : بما كنتم الباء سببية ، و "ما " مصدرية ولا تكون بمعنى الذي لاحتياجها إلى العائد ، وتقديره غير جائز لعدم الشروط المجوزة لحذفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية