صفحة جزء
آ . (122) قوله تعالى : إذ همت في هذا الظرف أوجه ، أحدها : أنه بدل من "إذ غدوت " فالعامل فيه العامل في المبدل منه . الثاني : أنه ظرف لـ "غدوت " . الثالث : أنه ظرف لـ "تبوئ " وهذه الأوجه تحتاج إلى نقل تاريخي في اتحاد الزمانيين . الرابع : أن الناصب له "عليم " وحده ، ذكره أبو البقاء . الخامس : أن العامل فيه : إما "سميع " وإما "عليم " على سبيل التنازع ، وتكون المسألة حينئذ من إعمال الثاني ، إذ لو أعمل الأول لأضمر في الثاني ، ولم يحذف منه شيئا كما قد عرفته غير مرة .

وقال الزمخشري : "أو عمل فيه معنى " سميع عليم " . قال الشيخ " وهذا غير محرر ، لأن العامل لا يكون مركبا من وصفين ، فتحريره أن يقال : عمل فيه معنى سميع أو عليم ، وتكون المسألة من التنازع " . قلت : لم يرد [ ص: 382 ] الزمخشري بذلك إلا ما ذكرته من إرادة التنازع ، ويصدق أن يقول : عمل فيه هذا وهذا بالمعنى المذكور لا أنهما عملا فيه معا ، على أنه لو قيل به لم يكن مبتدعا قولا ، إذ الفراء يرى ذلك ، ويقول في نحو : " ضربت وأكرمت زيدا "إن " زيدا "منصوب بهما وإنهما تسلطا عليه معا ، ولتنقيح هذه المسألة موضوع غير هذا حررتها فيه بحمد الله تعالى .

والهم : العزم . وقيل : بل هو دونه ، وذلك أن أول ما يمر بقلب الإنسان يسمى خاطرا ، فإذا قوي سمي حديث نفس ، فإذا قوي سمي هما ، فإذا قوي سمي عزما ، ثم بعده إما قول أو فعل ، وبعضهم يعبر عن الهم بالإرادة ، تقول العرب : هممت بكذا أهم به - بضم الهاء - ، ويقال : " همت "بميم واحدة ، حذفوا إحدى الميمين تخفيفا كما قالوا : مست وظلت وحست في مسست وظللت وحسست ، وهو غير مقيس . والهم أيضا : الحزن الذي يذيب صاحبه وهو مأخوذ من قولهم : " هممت الشحم "أي : أذبته . والهم الذي في النفس قريب منه ؛ لأنه قد يؤثر في نفس الإنسان كما يؤثر الحزن ، ولذلك قال الشاعر :


1421 - وهمك ما لم تمضه لك منصب ... ... ... ...



أي : إنك إذا هممت بشيء ولم تفعله ، وجال في نفسك فأنت في تعب منه حتى تقضيه .

قوله : أن تفشلا متعلق بـ " همت "لأنه يتعدى بالباء ، والأصل : بأن تفشلا ، فيجري في محل " أن "الوجهان المشهوران . والفشل : الجبن والخور . وقال بعضهم : " الفشل في الرأي : العجز ، وفي البدن : الإعياء وعدم [ ص: 383 ] النهوض ، وفي الحرب الجبن والخور "والفعل منه " فشل "بكسر العين ، وتفاشل الماء إذا سال .

وقوله : وعلى الله متعلق بقوله : " فليتوكل "قدم للاختصاص ولتناسب رؤوس الآي . وقد تقدم القول في نحو هذه الفاء . وقال أبو البقاء : " ودخلت الفاء لمعنى الشرط ، والمعنى : إن فشلوا فتوكلوا أنتم ، أو إن صعب الأمر فتوكلوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية