صفحة جزء
[ ص: 384 ] آ . (124) قوله تعالى : إذ تقول : فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أن هذا الظرف بدل من قوله : " إذ همت " . الثاني : أنه منصوب بـ " نصركم " . الثالث : أنه منصوب بإضمار "اذكر " ، وهل هذه الجملة من تمام قصة بدر - وهو قول الجمهور - فلا اعتراض في هذا الكلام ، أو من تمام أحد ، فيكون قوله ولقد نصركم الله معترضا بين الكلامين ؟ خلاف مشهور .

قوله : أن يمدكم فاعل " ألن يكفيكم " أي : ألن يكفيكم إمداد ربكم . والهمزة لما دخلت على النفي قررته على سبيل الإنكار ، وجيء بـ "لن " دون "لا " لأنها أبلغ في النفي . وفي مصحف أبي : "ألا " بـ "لا " دون "لن " كأنه قصد تفسير المعنى .

و "بثلاثة " متعلق بـ "يمدكم " . وقرأ الحسن البصري : "ثلاثه آلاف " بهاء في الوصل ساكنة . وكذلك "بخمسه آلاف " كأنه أجرى الوصل مجرى الوقف ، وهي ضعيفة لكونها في متضايفين يقتضيان الاتصال . قال ابن عطية : "ووجه هذه القراءة ضعيف ، لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد فيقتضيان الاتصال والثاني كمال الأول ، والهاء إنما هي أمارة وقف فيقلق الوقف في موضع إنما هو للاتصال ، لكن جاء نحو هذا في مواضع للعرب ، فمن ذلك ما حكاه الفراء من قولهم : " أكلت لحما شاة "يريدون : " لحم شاة "فمطلوا الفتحة حتى نشأت عنها ألف كما قالوا في الوقف : " قالا "يريدون " قال " ، ثم يمطلون الفتحة في القوافي ونحوها من مواضع الروية والتثبت ، ومن ذلك في الشعر قوله :

[ ص: 385 ]

1422 - ينباع من ذفرى غضوب جسرة زيافة مثل الفنيق المكدم



يريد : " ينبع "فمطل ، ومثله قول الآخر :


1423 - أقول إذ خرت على الكلكال     يا ناقتي ما جلت من مجال



يريد " الكلكل "فمطل ، ومثله قول الآخر :


1424 - فأنت من الغوائل حين ترمى     ومن ذم الرجال بمنتزاح



يريد : بمنتزح . قال أبو الفتح : " فإذا جاز أن يعترض هذا التمادي بين أثناء الكلمة الواحدة جاز التمادي بين المضاف والمضاف إليه إذ هما اثنان " . قال الشيخ - بعد كلام ابن عطية - : " وهو تكثير وتنظير بغير ما يناسب ، والذي يناسب توجيه هذه القراءة الشاذة أنها من إجراء الوصل مجرى الوقف ، أبدلها [هاء ] في الوصل كما أبدلوها في الوقف ، وموجود في كلامهم إجراء الوصل مجرى الوقف ، وإجراء الوقف مجرى الوصل . وأما قوله : "لكن قد جاء نحو هذا للعرب في مواضع " وجميع ما ذكر إنما هو من باب إشباع الحركة ، وإشباع الحركة ليس نحو إبدال التاء هاء في الوصل ، وإنما نظير هذا قولهم : "ثلثه اربعة " أبدل التاء هاء ، ونقل حركة همزة "أربعة " إليها ، [ ص: 386 ] وحذف الهمزة ، فأجرى الوصل مجرى الوقف في الإبدال وأجرى الوصل مجرى الوقف ، إذا النقل لا يكون إلا في الوصل " .

وقرئ شاذا أيضا : "بثلاثة " بتاء ساكنة وهي أيضا من إجراء الوصل مجرى الوقف من حيث السكون . واختلف في هذه التاء الموقوف عليها الآن : أهي تاء التأنيث التي كانت فسكنت فقط ، أو هي بدل من هاء التأنيث المبدلة من التاء ؟ وهو خلاف لا طائل تحته .

وقوله : من الملائكة يجوز أن تكون "من " للبيان ، وأن تكون "من " ومجرورها في موضع الجر صفة لـ "ثلاثة " أو لـ "آلاف " .

قوله : منزلين صفة لثلاثة آلاف ، ويجوز أن تكون حالا من "الملائكة " والأول أظهر . وقرأ ابن عامر : "منزلين " بالتضعيف ، وكذلك شدد قوله في سورة العنكبوت : إنا منزلون على أهل هذه القرية ، إلا أنه هنا اسم مفعول وهناك اسم فاعل . والباقون خففوهما . وقرأ ابن أبي عبلة هنا : "منزلين " بالتشديد مكسور الزاي مبنيا للفاعل . وبعضهم قرأه كذلك إلا أنه خفف الزاي ، جعله من أنزل كأكرم ، والتضعيف والهمزة كلاهما للتعدية ، ففعل وأفعل بمعنى ، وقد تقدم أن الزمخشري يجعل التشديد دالا على التنجيم ، وتقدم البحث معه في ذلك . وفي القراءتين الأخيرتين يكون المفعول محذوفا أي : منزلين النصر على المؤمنين والعذاب على الكافرين .

قوله : "بلى " حرف جواب وهو إيجاب للنفي في قوله تعالى : ألن يكفيكم وقد تقدم الكلام عليه مشبعا . وجواب الشرط قوله : "يمددكم " .

[ ص: 387 ] والفور : العجلة والسرعة ومنه : "فارت القدر " اشتد غليانها وسارع ما فيها إلى الخروج ، يقال : فار يفور فورا ، ويعبر به عن الغضب والحدة ؛ لأن الغضبان يسارع إلى البطش بمن يغضب عليه ، فالفور في الأصل مصدر ثم يعبر به عن الحالة التي لا ريث فيها ولا تعريج عن شيء سواها .

التالي السابق


الخدمات العلمية