صفحة جزء
[ ص: 388 ] آ . (126) قوله تعالى : إلا بشرى : فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه مفعول من أجله وهو استثناء مفرغ ، إذ التقدير : وما جعله لشيء من الأشياء إلا للبشرى ، وشروط نصبه موجودة وهي اتحاد الفاعل والزمان وكونه مصدرا سيق للعلة . والثاني : أنه مفعول ثان لجعل على أنها تصييرية . والثالث : أنها بدل من الهاء في "جعله " قاله الحوفي ، وجعل الهاء عائدة على الوعد بالمدد . والبشرى مصدر على فعلى كالرجعى .

قوله : ولتطمئن فيه وجهان ، أحدهما : أنه معطوف على "بشرى " هذا إذا جعلناها مفعولا من أجله ، وإنما جرت باللام لاختلال شرط من شروط النصب وهو عدم اتحاد الفاعل ، فإن فاعل الجعل هو الله تعالى وفاعل الاطمئنان القلوب ، فلذلك نصب المعطوف عليه لاستكمال الشروط ، وجر المعطوف باللام لاختلال شرطه ، وقد تقدم ، والتقدير : وما جعله إلا للبشرى وللطمأنينة . والثاني : أنها متعلقة بمحذوف أي : ولتطمئن قلوبكم فعل ذلك ، أو كان كيت وكيت .

وقال الشيخ : "وتطمئن منصوب بإضمار " أن "بعد لام " كي "فهو من عطف الاسم على توهم موضع اسم آخر " . ثم نقل عن ابن عطية أنه قال : "واللام في " ولتطمئن "متعلقة بفعل مضمر يدل عليه " جعله " " ، ومعنى الآية : "وما كان هذا الإمداد إلا لتستبشروا به وتطمئن به قلوبكم " . قال الشيخ : "وكأنه رأى أنه لا يمكن عنده أن يعطف " ولتطمئن "على " بشرى "على الموضع ؛ لأن من شرط العطف على الموضع عند أصحابنا أن يكون ثم محرز للموضع ، ولا محرز هنا ، لأن عامل الجر مفقود ، ومن لم يشترط المحرز فيجوز ذلك ، ويكون من باب العطف على التوهم " . قلت : وقد جعل بعضهم [ ص: 389 ] الواو في "ولتطمئن " زائدة وهو لائق بمذهب الأخفش ، وعلى هذا فتتعلق اللام بالبشرى ، أي : إن البشرى علة للجعل ، والطمأنينة علة للبشرى فهي علة العلة .

وقال الفخر الرازي : "في ذكر الإمداد مطلوبان ، أحدهما : إدخال السرور في قلوبهم وهو المراد بقوله إلا بشرى والثاني : حصول الطمأنينة بالنصر فلا يجبنوا ، وهذا هو المقصود الأصلي ففرق بين هاتين العبارتين تنبيها على حصول التفاوت بين الأمرين ، فعطف الفعل على الاسم ، ولما كان الأقوى حصول الطمأنينة أدخل حرف التعليل " . قال الشيخ : "ويناقش في قوله " عطف الفعل على الاسم "إذ ليس من عطف الفعل على الاسم ، وفي قوله : " أدخل حرف التعليل "وليس ذلك كما ذكر " . انتهى . قلت : إن عنى الشيخ أنه لم يدخل حرف التعليل البتة فهو غير مسلم ولا يمكن إنكاره ، وإن عنى أنه لم يدخله بالمعنى الذي قصده الإمام فيسهل .

وقال الجرجاني في "نظمه " : "هذا على تأويل : وما جعله الله إلا ليبشركم ولتطمئن ، ومن أجاز إقحام الواو وهو مذهب الكوفيين جعلها مقحمة في " ولتطمئن "فيكون التقدير : وما جعله الله إلا بشرى لكم لتطمئن قلوبكم به .

والضميران في قوله : " وما "جعله " و "به " يعودان على الإمداد المفهوم من الفعل المتقدم وهو قوله : "يمددكم " وقيل : يعودان على النصر ، وقيل : [ ص: 390 ] على التسويم . وقيل : على التنزيل . وقيل : على العدد ، وقيل : على الوعد .

وفي هذه الآية قال : "لكم " وتركها في سورة الأنفال لأن تيك مختصر هذه ، وكأن الإطناب هنا أولى ، لأن القصة مكملة هنا فناسب إيناسهم بالخطاب المواجه . وأخر هنا "به " وقدم في سورة الأنفال ؛ لأن الخطاب هنا موجود في "لكم " فأتبع الخطاب الخطاب . وهنا جاء بالصفتين تابعتين في قوله : العزيز الحكيم وجاء بهما في جملة مستأنفة في الأنفال في قوله : إن الله عزيز حكيم لأنه لما خاطبهم هنا حسن تعجيل بشارتهم بأنه عزيز حكيم أي : لا يغالب وأن أفعاله كلها متقنة حكمة وصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية