صفحة جزء
آ . (128) قوله تعالى : أو يتوب : في نصبه أوجه ، أحدها : أنه معطوف على الأفعال المنصوبة قبله تقديره : ليقطع أو يكبتهم أو يتوب عليهم أو يعذبهم ، وعلى هذا فيكون قوله "ليس لك من الأمر شيء " جملة اعتراضية بين المتعاطفين ، والمعنى : أن الله تعالى هو المالك لأمرهم ، فإن شاء [ ص: 392 ] قطع طرفا منهم أو هزمهم ، أو يتوب عليهم إن أسلموا ورجعوا ، أو يعذبهم إن تمادوا على كفرهم ، وإلى هذا التخريج ذهب جماعة من النحاة كالفراء والزجاج .

والثاني : أن "أو " هنا بمعنى "إلا أن " كقولهم : "لألزمنك أو تقضيني حقي " أي : إلا أن تقضيني .

الثالث : [أن ] "أو " بمعنى "حتى " أي : ليس لك من الأمر شيء حتى يتوب . وعلى هذين القولين فالكلام متصل بقوله : "ليس لك من الأمر شيء " والمعنى : ليس لك من الأمر شيء إلا أن يتوب عليهم بالإسلام فيحصل لك سرور بهدايتهم إليه أو يعذبهم بقتل أو نار في الآخرة . فيتشفى بهم . وممن ذهب إلى ذلك الفراء وأبو بكر ابن الأنباري . قال الفراء : "ومثل هذا الكلام : " لأذمنك أو تعطيني "على معنى : إلا أن تعطيني ، وحتى تعطيني . وأنشد ابن الأنباري في ذلك قول امرئ القيس :


1425 - فقلت له لا تبك عينك إنما تحاول ملكا أو تموت فتعذرا



أراد : حتى تموت ، أو : إلا أن تموت " قلت : وفي تقديره بيت امرئ القيس بـ "حتى " نظر ، إذ ليس المعنى عليه ؛ لأنه لم يفعل ذلك لأجل هذه الغاية والنحويون لم يقدروه إلا بمعنى "إلا " .

[ ص: 393 ] الثالث : أنه منصوب بإضمار "أن " عطفا على قوله : "الأمر " كأنه قيل : "ليس لك من الأمر أو من توبته عليهم أو تعذيبهم شيء " ، فلما كان في تأويل الاسم عطف على الاسم قبله فهو من باب قوله :


1426 - ولولا رجال من رزام أعزة     وآل سبيع أو أسوءك علقما



وقولها :


1427 - للبس عباءة وتقر عيني     أحب إلي من لبس الشفوف



الرابع : أنه معطوف بالتأويل المذكور على "شيء " والتقدير : ليس لك من الأمر من شيء أو توبة الله عليهم أو تعذيبهم أي : ليس لك أيضا توبتهم ولا تعذيبهم ، إنما ذلك راجع إلى الله تعالى .

وقرأ أبي : "أو يتوب ، أو يعذبهم " برفعهما على الاستئناف في جملة اسمية أضمر مبتدؤها أي : أو هو يتوب ويعذبهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية