صفحة جزء
آ . (142) قوله تعالى : أم حسبتم أن تدخلوا : في "أم " هذه [ ص: 409 ] أوجه أظهرها : أنها منقطعة مقدرة بـ "بل " وهمزة الاستفهام ، ويكون معناه الإنكار . وقيل : "أم " بمعنى الهمزة وحدها ، ومعناه كما تقدم : التوبيخ والإنكار ، وقيل : هذا استفهام معناه النهي قاله أبو مسلم الأصفهاني . وقيل : هي متصلة . قال ابن بحر : "هي عديلة همزة تتقدر من معنى ما تقدم ، وذلك أن قوله : إن يمسسكم قرح وتلك الأيام نداولها إلى آخر القصة يقتضي أن يتبع ذلك : أتعلمون أن التكليف يوجب ذلك أم حسبتم . و " حسب "هنا على بابها من ترجيح أحد الطرفين . و أن تدخلوا ساد مسد المفعولين على رأي سيبويه ومسد الأول ، والثاني محذوف على رأي الأخفش .

قوله : ولما يعلم جملة حالية . وقال الزمخشري : " ولما بمعنى "لم " إلا أن فيه ضربا من التوقع ، فدل على نفي الجهاد فيما مضى وعلى توقعه فيما يستقبل . وتقول : "وعدني أن يفعل كذا ولما " تريد : "ولم يفعل وأنا أتوقع فعله " . قال الشيخ : "وهذا الذي قاله في " لما " : أنها تدل على توقع الفعل المنفي بها فيما يستقبل لا أعلم أحدا من النحويين ذكره ، بل ذكروا أنك إذا قلت : " لما يخرج زيد "دل ذلك على انتفاء الخروج فيما مضى متصلا نفيه إلى وقت الإخبار ، أما أنها تدل على توقعه في المستقبل فلا ، لكنني وجدت في كلام الفراء شيئا يقارب ما قاله الزمخشري ، قال : " لما "لتعريض الوجود بخلاف " لم " " . قلت : "والنحويون إنما فرقوا بينهما من جهة أن المنفي بـ لم " هو فعل غير مقرون بـ "قد " و "لما " نفي له مقرونا بها ، وقد تدل على التوقع ، فيكون كلام الزمخشري صحيحا من هذه الجهة ، ويدل على [ ص: 410 ] ما قلته من كون "لم " لنفي فعل ، و "لما " لنفي قد فعل نص النحاة على ذلك : سيبويه فمن دونه . وقد تقدم نظير هذه الآية في البقرة وتحقيق القول فيها بما يغني عن إعادته فعليك بالالتفات إليه .

وقوله : "منكم " حال من "الذين " . و ولما يعلم الله بكسر الميم على أصل التقاء الساكنين . وقرأ النخعي وابن وثاب بفتحها . وفيها وجهان . أحدهما : أن الفتحة فتحة إتباع ، أتبع الميم للام قبلها والثاني : أنه على إرادة النون الخفيفة ، والأصل : "ولما يعلمن " والمنفي بـ لما قد جاء مؤكدا بها كقوله :


1447 - يحسبه الجاهل ما لم يعلما شيخا على كرسيه معمما



فلما حذف النون بقي آخر الفعل مفتوحا كقوله :


1448 - لا تهين الفقير علك أن تر     كع يوما والدهر قد رفعه



[وعليه تخرج قراءة : "ألم نشرح ] بفتح الحاء ، وقول الآخر :

[ ص: 411 ]

1449 - في أي يومي من الموت أفر     أيوم لم يقدر أم يوم قدر



قوله : " ويعلم "العامة على فتح الميم وفيها تخريجان ، أشهرهما : أن الفعل منصوب . ثم هل نصبه بـ " أن "مقدرة بعد الواو المقتضية للجمع كهي في قولك : " لا تأكل السمك وتشرب اللبن "أي : لا تجمع بينهما وهو مذهب البصريين ، أو بواو الصرف ، وهو مذهب الكوفيين ، يعنون أنه كان من حق هذا الفعل أن يعرب بإعراب ما قبله ، فلما جاءت الواو صرفته إلى وجه آخر من الإعراب . وتقرير المذهبين في غير هذا الموضوع .

والثاني : أن الفتحة فتحة التقاء ساكنين والفعل مجزوم ، فلما وقع بعده ساكن آخر احتيج إلى تحريك آخره فكانت الفتحة أولى لأنها أخف وللإتباع لحركة اللام ، كما قيل ذلك في أحد التخريجين لقراءة : ولما يعلم الله بفتح الميم ، والأول هو الوجه .

وقرأ الحسن وابن يعمر وأبو حيوة بكسر الميم عطفا على " يعلم "المجزوم بـ " لم " .

وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو بن العلاء : " ويعلم "بالرفع ، وفيه وجهان ، أظهرهما : أنه مستأنف ، أخبر تعالى بذلك . وقال الزمخشري : " على أن الواو للحال ، كأنه [قال ] : ولما يجاهدوا وأنتم صابرون . قال الشيخ : "ولا يصح ما قال ، لأن واو الحال لا تدخل على المضارع ، [ ص: 412 ] لا يجوز : " جاء زيد ويضحك "وأنت تريد : جاء زيد يضحك ، لأن المضارع واقع موقع اسم الفاعل ، فكما لا يجوز " جاء زيد وضاحكا "كذلك لا يجوز : جاء زيد ويضحك ، فإن أول على أن المضارع خبر مبتدأ محذوف أمكن ذلك التقدير أي : وهو يعلم الصابرين كما أولوا قول الشاعر :


1450 - ... ... ... ...     نجوت وأرهنهم مالكا



أي : وأنا أرهنهم " قلت : قوله : "لا تدخل على المضارع " هذا ليس على إطلاقه ، بل ينبغي أن يقول : على المضارع المثبت أو المنفي بـ "لا " لأنها تدخل على المضارع المنفي بـ لم ولما ، وقد عرف ذلك غير مرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية