صفحة جزء
آ . (143) قوله تعالى : كنتم تمنون : قرأ البزي بخلاف عنه بتشديد تاء "تمنون " ، ولا يمكن ذلك إلا في الوصل ، وقاعدته أنه يصل ميم الجمع بواو ، وقد تقدم تحرير هذا عند قوله : ولا تيمموا الخبيث .

والضمير في "تلقوه " فيه وجهان ، أظهرهما : عوده على الموت ، والثاني : عوده على العدو ، وإن لم يجر له ذكر لدلالة الحال عليه .

والجمهور على كسر اللام من "قبل " ؛ لأنها معربة لإضافتها إلى أن وما في حيزها أي : من قبل لقائه . وقرأ مجاهد بن جبر : "من قبل " بضم اللام وقطعها عن الإضافة كقوله : لله الأمر من قبل ومن بعد ، وعلى هذا فـ "أن " وما في حيزها في محل نصب على أنها بدل اشتمال من الموت أي : [ ص: 413 ] تمنون لقاء الموت كقولك : "رهبت العدو لقاءه " . وقرأ الزهري والنخعي : "تلاقوه " ومعناه معنى "تلقوه " لأن "لقي " يستدعي أن يكون بين اثنين عادة وإن لم يكن على المفاعلة .

قوله : فقد رأيتموه الظاهر أن الرؤية بصرية فتكفي بمفعول واحد ، وجوزوا أن تكون علمية فتحتاج إلى مفعول ثان هو محذوف أي : فقد علمتموه حاضرا أي : الموت ، إلا أن حذف أحد المفعولين في باب "ظن " ليس بالسهل ، حتى إن بعضهم يخصه بالضرورة كقول عنترة :


1451 - ولقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب المكرم



أي : فلا تظني غيره واقعا مني .

قوله : وأنتم تنظرون يجوز أن تكون حالية ، وهي حال مؤكدة رفعت ما تحتمله الرؤية من المجاز أو الاشتراك ، أي : بينهما وبين رؤية القلب ، ويجوز أن تكون مستأنفة ، بمعنى : وأنتم تنظرون في فعلكم الآن بعد انقضاء الحرب هل وفيتم أو خالفتم ؟ وقال ابن الأنباري : "رأيتموه " أي : قابلتموه وأنتم تنظرون بعيونكم ، ولهذه العلة ذكر النظر بعد الرؤية حين اختلف معناهما ، لأن الأول بمعنى المقابلة والمواجهة ، والثاني : بمعنى رؤية العين "وهذا غير معروف عند أهل اللسان ، أعني إطلاق الرؤية على المقابلة والمواجهة ، وعلى تقدير صحته فتكون الجملة من قوله : وأنتم تنظرون جملة حالية مبينة لا مؤكدة ؛ لأنها أفادت معنى زائدا على معنى عاملها ، ويجوز أن يقدر [ ص: 414 ] لـ " ينظرون "مفعولا ، ويجوز ألا يقدر ، إذ المعنى : وأنتم من أهل النظر . والله تعالى أعلم ولله الحمد والمنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية