صفحة جزء
آ . (152) قوله تعالى : صدقكم : "صدق " يتعدى لاثنين ، أحدهما بنفسه والآخر بالحرف ، وقد يحذف كهذه الآية ، والتقدير : صدقكم في وعده كقولهم : "صدقته الحديث " ، و "في الحديث " . و " إذ تحسونهم " معمول لـ "صدقكم " أي : صدقكم في ذلك الوقت ، وهو وقت حسهم أي قتلهم . وأجاز أبو البقاء أن يكون معمولا للوعد في قوله : "وعده " ، وفيه نظر لأن الوعد متقدم على هذا الوقت . يقال : "حسسته أحسه " أي : قتلته . وقرأ أبو عبيد : "تحسونهم " رباعيا أي : أذهبتم حسهم بالقتل . و "بإذنه " متعلق بمحذوف لأنه حال من فاعل "تحسونهم " أي : تقتلونهم مأذونا لكم في ذلك .

قوله : حتى إذا فشلتم في "حتى " هذه قولان ، أحدهما : أنها حرف جر بمعنى "إلى " وفي متعلقها حينئذ ثلاثة أوجه : أحدها : أنها متعلقة بـ "تحسونهم " أي : تقتلونهم إلى هذا الوقت . والثاني : أنها متعلقة بـ "صدقكم " ، وهو ظاهر قول الزمخشري قال : "ويجوز أن يكون المعنى : صدقكم الله وعده إلى وقت فشلكم " . والثالث : أنها متعلقة بمحذوف دل عليه السياق ، قال أبو البقاء : "تقديره : دام لكم ذلك إلى وقت فشلكم " .

[ ص: 437 ] القول الثاني : أنها حرف ابتداء داخلة على الجملة الشرطية ، و "إذا " على بابها من كونها شرطية ، وفي جوابها حينئذ ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه "وتنازعتم " قال الفراء : "وتكون الواو زائدة " . والثاني : أنه "ثم صرفكم " و "ثم " زائدة ، وهذا القولان ضعيفان جدا . والثالث - وهو الصحيح - : أنه محذوف ، واختلفت عبارتهم في تقديره ، فقدره ابن عطية : "انهزمتم " ، وقدره الزمخشري : "منعكم نصره " ، وقدره أبو البقاء : "بان لكم أمركم " ، ودل على ذلك قوله : منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ، وقدره غيره : "امتحنتم " ، وقدره الشيخ : "انقسمتم إلى قسمين ، ويدل عليه ما بعده ، وهو نظير : فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد . قال الشيخ : " لا يقال كيف يقال : انقسمتم إلى مريد الدنيا وإلى مريد الآخرة فيمن فشل وتنازع وعصى ؛ لأن هذه : الأفعال لم تصدر من كلهم بل من بعضهم " .

واختلفوا في " إذا "هذه ، هل هي على بابها أم بمعنى " إذ " ؟ والصحيح الأول سواء قلنا إنها شرطية أم لا .

قوله : ثم صرفكم عطف على ما قبله ، والجملتان من قوله : منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة اعتراض بين المتعاطفين . وقال أبو البقاء : " ثم صرفكم "معطوف على الفعل المحذوف " يعني الذي قدره جوابا للشرط ، ولا حاجة إليه . "وليبتليكم " متعلق بـ "صرفكم " و "أن " مضمرة بعد اللام .

التالي السابق


الخدمات العلمية