صفحة جزء
آ. (6) قوله: ولا تمنن : العامة على فك الإدغام. والحسن وأبو السمال بالإدغام. قد تقدم أن المجزوم والموقوف من هذا النوع يجوز فيهما الوجهان، وقد تقدم تحقيقه في المائدة عند من يرتد منكم . والمشهور أنه من المن، وهو الاعتداد على المعطي بما أعطاه. وقيل: "لا تضعف" من قولهم: حبل منين أي: ضعيف.

قوله: تستكثر العامة على رفعه، وفيه وجهان، أحدهما: أنه في موضع الحال أي: لا تمنن مستكثرا ما أعطيت. وقيل: معناه: لتأخذ أكثر مما أعطيت. والثاني: أنه على حذف "أن" يعني أن الأصل: ولا تمنن أن تستكثر، فلما حذفت "أن" ارتفع الفعل كقوله:


4380- ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



[ ص: 536 ] في إحدى الروايتين، قاله الزمخشري ، ولم يبين: ما محل "أن" وما في حيزها. وفيه وجهان، أظهرهما - وهو الذي يريده - هو أنها في محل نصب أو جر على الخلاف فيها بعد حذف حرف الجر، وهو هنا لام العلة تقديره: ولا تمنن لأن تستكثر. والثاني: أنها في محل نصب فقط مفعولا بها أي: لا تضعف أن تستكثر من الخير، قاله مكي، وقد تقدم لك أن "تمنن" بمعنى تضعف، وهو قول مجاهد . إلا أن الشيخ قال بعد كلام الزمخشري: "وهذا لا يجوز أن يحمل القرآن عليه; لأن ذلك لا يجوز إلا في الشعر، ولنا مندوحة عنه مع صحة معنى الحال". قلت: قد سبقه مكي وغيره إلى هذا. وأيضا فقوله: "في الشعر" ممنوع; هؤلاء الكوفيون يجيزون ذلك وأيضا فقد قرأ الحسن والأعمش "تستكثر" نصبا، وهو على إضمار "أن" كقولهم: "مره يحفرها" وأبلغ من ذلك التصريح بأن في قراءة عبد الله: "ولا تمنن أن تستكثر".

وقرأ الحسن أيضا وابن أبي عبلة "تستكثر" جزما، وفيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون بدلا من الفعل قبله، كقوله تعالى: يلق أثاما يضاعف فـ "يضاعف" بدل من "يلق" وكقوله: [ ص: 537 ]

4381- متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا     تجد حطبا جزلا ونارا تأججا



ويكون من المن الذي في قوله: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى الثاني: أن يشبه (ثرو) بـ "عضد" فيسكن تخفيفا، قاله الزمخشري ، يعني أنه تأخذ من مجموع "تستكثر" ومن الكلمة بعده وهو الواو ما يكون فيه شبيها بـ "عضد". ألا ترى أنه قال: "أن يشبه ثرو" فأخذ بعض "تستكثر" وهو الثاء والراء وحرف العطف من قوله: ولربك فاصبر .

وهذا كما قالوا في قول امرئ القيس:


4382- فاليوم أشرب غير مستحقب     إثما من الله ولا واغل



بتسكين "أشرب": إنهم أخذوا من الكلمتين (ربغ) كـ عضد، ثم سكن. وقد تقدم في سورة يوسف في قراءة قنبل " من يتقي " بثبوت الياء أن "من" موصولة، فاعترض بجزم "يصبر" فأجيب: بأنه شبه (برف) أخذوا الباء والراء من "يصبر"، والفاء من "فإن" وهذا نظير تيك سواء. الوجه الثالث: أن يعتبر حال الوقف ويجرى الوصل مجراه، قاله الزمخشري أيضا، يعني أنه مرفوع، وإنما سكن تخفيفا، أو أجري [ ص: 538 ] الوصل مجرى الوقف. قال الشيخ : "وهذان لا يجوز أن يحمل عليهما مع وجود أرجح منهما، وهو البدل". قلت: الحق أحق أن يتبع، كيف يعدل إلى هذين الوجهين مع ظهور البدل معنى وصحة وصناعة؟

التالي السابق


الخدمات العلمية