صفحة جزء
آ. (14) قوله: من المعصرات : يجوز في "من" أن تكون على بابها من ابتداء الغاية، وأن تكون للسببية. ويدل قراءة عبد الله بن يزيد وعكرمة وقتادة "بالمعصرات" بالباء بدل "من" وهذا على خلاف في "المعصرات" ما المراد بها؟ فقيل: السحاب. يقال: أعصرت السحائب، أي: شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر كقولك: "أجز الزرع" إذا حان له أن يجز. ومنه "أعصرت الجارية" إذا حان لها أن تحيض، قاله الزمخشري . وأنشد ابن قتيبة لأبي النجم:


4466- تمشي الهوينى ساقطا خمارها قد أعصرت أو قد دنا إعصارها

[ ص: 651 ] قلت: ولولا تأويل "أعصرت" بذلك لكان ينبغي أن تكون المعصرات بفتح الصاد اسم مفعول; لأن الرياح تعصرها.

وقال الزمخشري : وقرأ عكرمة "بالمعصرات". وفيه وجهان: أن يراد الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب، وأن يراد السحائب; لأنه إذا كان الإنزال منها فهو بها كما تقول: أعطى من يده درهما، وأعطى بيده. وعن مجاهد : المعصرات: الرياح ذوات الأعاصير. وعن الحسن وقتادة: هي السماوات. وتأويله: أن الماء ينزل من السماء إلى السحاب فكأن السماوات يعصرن، أي: يحملن على العصر ويمكن منه. فإن قلت: فما وجه من قرأ "من المعصرات" وفسرها بالرياح ذوات الأعاصير، والمطر لا ينزل من الرياح؟ قلت: الرياح هي التي تنشئ السحاب وتدر أخلافه، فيصح أن تجعل مبدأ للإنزال. وقد جاء: إن الله يبعث الرياح فتحمل الماء من السماء، فإن صح ذلك فالإنزال منها ظاهر. فإن قلت: ذكر ابن كيسان: أنه جعل المعصرات بمعنى المغيثات، والعاصر هو المغيث لا المعصر. يقال: عصره فاعتصر. قلت: وجهه أن يراد: اللاتي أعصرن، أي: حان لها أن تعصر، أي: تغيث. قلت: يعني أن "عصر" بمعنى الإغاثة ثلاثي، فكيف قيل هنا: معصرات بهذا المعنى، وهو من الرباعي؟ فأجاب عنه بما تقدم، يعني أن الهمزة بمعنى الدخول في الشيء.

قوله: ثجاجا الثج: الانصباب بكثرة وشدة. وفي الحديث: [ ص: 652 ] "أحب العمل إلى الله العج والثج"، فالعج: رفع الصوت بالتلبية، والثج: إراقة دماء الهدي. يقال: ثج الماء بنفسه، أي: انصب وثججته أنا، أي: صببته ثجا وثجوجا، فيكون لازما ومتعديا. وقال الشاعر:


4467- إذا رجفت فيها رحى مرجحنة     تبعج ثجاجا غزير الحوافل



وقرأ الأعرج "ثجاحا" بالحاء المهملة أخيرا. وقال الزمخشري : "ومثاجح الماء مصابه، والماء ينثجح في الوادي".

التالي السابق


الخدمات العلمية