صفحة جزء
آ . (185) قوله تعالى : كل نفس ذائقة الموت : مبتدأ وخبر ، وسوغ الابتداء بالنكرة العموم أو الإضافة . والجمهور على ذائقة الموت .

[ ص: 520 ] بخفض "الموت " بالإضافة ، وهي إضافة غير محضة لأنها في نية الانفصال . وقرأ اليزيدي : "ذائقة الموت " بالتنوين والنصب في "الموت " على الأصل . وقرأ الأعمش بعدم التنوين ونصب "الموت " ، وذلك على حذف التنوين لالتقاء الساكنين وإرادته ، وهو كقول الآخر :


1504 - فألفيته غير مستغتب ولا ذاكر الله إلا قليلا



بنصب الجلالة ، وقراءة من قرأ : قل هو الله أحد الله بحذف التنوين من "أحد " لالتقاء الساكنين .

ونقل أبو البقاء فيها قراءة غريبة وتخريجا غريبا قال : "ويقرأ أيضا شاذا : ذائقة الموت على جعل الهاء ضمير " كل "على اللفظ ، وهو مبتدأ أو خبر " . انتهى . وإذا صحت هذه قراءة فيكون "كل " مبتدأ ، و "ذائقة " خبر مقدم ، و "الموت " مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر "كل " ، وأضيف "ذائق " إلى ضمير "كل " باعتبار لفظها ، ويكون هذا من باب القلب في الكلام ؛ لأن النفس هي التي تذوق الموت وليس الموت يذوقها ، وهنا جعل الموت هو الذي يذوق النفس قلبا للكلام لفهم المعنى ، كقولهم : "عرضت الناقة على الحوض " ، ومنه : ويوم يعرض الذين كفروا على النار و "أدخلت القلنسوة في رأسي " . وقوله :

[ ص: 521 ]

1505 - مثل القنافذ هداجون قد بلغت     نجران أو بلغت سوءاتهم هجر



الأصل : عرضت الحوض على الناقة ، ويوم تعرض النار عليهم ، وأدخلت رأسي في القلنسوة ، وبلغت سوءاتهم هجرا ، فقلب ، وسيأتي خلاف الناس في القلب بأشبع من هذا عند موضعه ، وكان أبو البقاء قد قدم قبل هذا أن التأنيث في "ذائقة " إنما هو باعتبار معنى "كل " ، وقال : "لأن كل نفس نفوس ، ولو ذكر على لفظ " كل "جاز " ، يعني أنه لو قيل : "كل نفس ذائق كذا " جاز ، وقد تقدم لك أول البقرة أنه يجب اعتبار لفظ ما تضاف إليه "كل " إذا كان نكرة ، ولا يجوز أن تعتبر "كل " ، وتحقيق هذه المسألة هناك .

قوله : وإنما توفون "ما " كافة لـ "إن " عن العمل وقد تقدم مثلها . وقال مكي : "ولا يجوز أن تكون " ما "بمعنى الذي لأنه يلزم رفع " أجوركم " ، ولم يقرأ به أحد ؛ لأنه يصير التقدير : " وإن الذي توفونه أجوركم ، كقولك : "إن الذي أكرمتموه عمرو " وأيضا فإنك تفرق بين الصلة والموصول بخبر الابتداء "يعني لو كانت " ما "موصولة لكانت اسم " إن "فيلزم حينئذ رفع " أجوركم "على خبرها كقوله تعالى : إنما صنعوا كيد ساحر ، فـ "ما " هنا يجوز أن تكون بمعنى الذي أو مصدرية تقديره : إن الذي صنعوه أو : إن صنعهم ، ولذلك رفع "كيد " خبرا لها . وقوله : "وأيضا فإنك تفرق " يعني أن "يوم القيامة " متعلق بـ "توفون " فهو من تمام الصلة ، فلو كانت "ما " موصولة لفصلت بالخبر الذي هو "أجوركم " بين أبعاض الصلة التي هي الفعل ومعموله ، ولا يخبر عن موصول إلا بعد تمام صلته ، وهذا وإن كان من الواضحات إلا أن فيه تنبيها على أصول العلم .

[ ص: 522 ] وأدغم أبو عمرو الحاء من "زحزح " في العين هنا خاصة قالوا : لطول الكلمة وتكرير الحاء ، دون قوله : ذبح على النصب المسيح عيسى ونقل عنه الإدغام مطلقا وعدمه مطلقا ، والنحويون يمنعون ذلك ، ولا يجيزونه إلا بعد أن يقلبوا العين حاء ، ويدغمون الحاء فيها قالوا : "لأن الأقوى لا يدغم في الأضعف ، وهذا عكس الإدغام ، لأن الإدغام أن تقلب فيه الأول للثاني ، إلا في مسألتين إحداهما : هذه ، والثانية الحاء في الهاء نحو : " امدح هذا "لا تقلب الهاء حاء أيضا " ، ولذلك طعن بعضهم على قراءة أبي عمرو ، ولا يلتفت إليه .

والغرور : [يجوز أن يكون مصدرا وأن يكون ] جمعا . وقرأ عبد الله بفتح الغين ، وفسر بالشيطان ، ويجوز أن يكون فعولا بمعنى مفعول أي : متاع المغرور ، أي : المخدوع ، وأصل الغرر : الخدع .

التالي السابق


الخدمات العلمية