صفحة جزء
آ . (191) قوله تعالى : الذين يذكرون : فيه خمسة أوجه ، أولها : أنه نعت لـ "أولي " ، فهو مجرور . وثانيها : أنه خبر مبتدأ محذوف أي : هم الذين . وثالثها : أنه منصوب بإضمار "أعني " ، وهذان الوجهان يسميان بالقطع ، وقد تقدم ذلك مرارا . الرابع : أنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره : يقولون : ربنا . قاله أبو البقاء . وخامسها : أنه بدل من "أولي " ذكره مكي . وأول الوجوه هو الأحسن .

و قياما وقعودا حالان من فاعل "يذكرون " . و وعلى جنوبهم حال أيضا فيتعلق بمحذوف ، والمعنى : يذكرونه قياما وقعودا ومضطجعين ، فعطف الحال المؤولة على الصريحة ، عكس الآية الأخرى وهي قوله : دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ، حيث عطف الصريحة على المؤولة . و "قياما " و "قعودا " جمعان لـ "قائم " و "قاعد " . وأجيز أن يكونا مصدرين ، وحينئذ يتأولان على معنى ذوي قيام وقعود ، ولا حاجة إلى هذا .

قوله : ويتفكرون فيه وجهان ، أظهرها : أنها عطف على الصلة فلا محل لها . والثاني : أنها في محل نصب على الحال عطفا على "قياما " أي : يذكرونه متفكرين . فإن قيل : هذا مضارع مثبت فكيف دخلت عليه الواو ؟ فالجواب أن هذه واو العطف ، والممنوع إنما هو واو الحال .

[ ص: 532 ] و "خلق " فيه وجهان ، أحدهما : أنه مصدر على أصله أي : يتفكرون في صنعة هذه المخلوقات العجيبة ، ويكون مصدرا مضافا لمفعوله . والثاني : أنه بمعنى المفعول أي : في مخلوق السماوات والأرض ، وتكون إضافته في المعنى إلى الظرف أي : يتفكرون فيما أودع الله هذين الظرفين من الكواكب وغيرها . وقال أبو البقاء : "وأن يكون بمعنى المخلوق ؛ ويكون من إضافة الشيء إلى ما هو في المعنى " وهذا كلام متهافت إذ لا يضاف الشيء إلى نفسه ، وما أوهم ذلك يؤول .

قوله : "ربنا " هذه الجملة في محل نصب بقول محذوف تقديره : يقولون . والجملة القولية فيها وجهان ، أظهرهما : أنها حال من فاعل "يتفكرون " أي : يتفكرون قائلين : ربنا ، وإذا أعربنا "يتفكرون " حالا كما تقدم فتكون الحالان متداخلتين . والوجه الثاني : أنها في محل رفع خبرا لـ "الذين " على قولنا بأنه مبتدأ ، كما تقدم نقله عن أبي البقاء .

و "هذا " في قوله : ما خلقت هذا إشارة إلى الخلق إن أريد به المخلوق . وأجاز أبو البقاء حال الإشارة إليه بـ "هذا " أن يكون مصدرا على حاله لا بمعنى المخلوق . وفيه نظر ، أو إلى السماوات والأرض ، وإن كانا شيئين كل منهما جمع ، لأنهما بتأويل : هذا المخلوق العجيب ، أو لأنهما في معنى الجمع فأشير إليهما كما يشار إلى لفظ الجمع .

قوله : باطلا في نصبه خمسة أوجه ، أحدها : نعت لمصدر محذوف أي : خلقا باطلا ، وقد تقدم أن سيبويه يجعل مثل هذا حالا من ضمير ذلك المصدر . الثاني : أنه حال من المفعول به وهو "هذا " . الثالث : أنه على [ ص: 533 ] إسقاط حرف خافض وهو الباء ، والمعنى : ما خلقتهما بباطل بل بحق وقدرة . الرابع : أنه مفعول من أجله ، و "فاعل " قد يجيء مصدرا كالعاقبة والعافية . الخامس : أنه مفعول ثان بـ "خلق " قالوا : و "خلق " إذا كانت بمعنى جعل التي تتعدى لاثنين تعدت لاثنين ، وهذا غير معروف عند أهل العربية ، بل المعروف أن "جعل " إذا كانت بمعنى "خلق " تعدت لواحد فقط . وأحسن هذه الأعاريب أن يكون حالا من "هذا " ، وهي حال لا يستغنى عنها ، لأنها لو حذفت لاختل الكلام ، وهي كقوله : وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين .

و سبحانك تقدم إعرابه وهو معترض بين قوله : "ربنا " وبين قوله : "فقنا " ، وقال أبو البقاء : "دخلت الفاء لمعنى الجزاء ، والتقدير : إذا نزهناك أو وحدناك فقنا " . وهذا لا حاجة إليه ، بل التسبب فيها ظاهر ، تسبب عن قولهم : ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك طلبهم وقاية النار . وقيل : هي لترتيب السؤال على ما تضمنه "سبحان " من معنى الفعل أي : سبحانك فقنا ، وأبعد من ذهب إلى أنها للترتيب على ما تضمنه النداء .

التالي السابق


الخدمات العلمية