آ . (193) قوله تعالى :
سمعنا مناديا ينادي : "سمع " إن دخلت على ما يصح أن يسمع نحو : "سمعت كلامك وقراءتك " تعدت لواحد ، وإن دخلت على ما لا يصح سماعه بأن كان ذاتا فلا يصح الاقتصار عليه وحده ، بل لا بد من الدلالة على شيء يسمع نحو : "سمعت رجلا يقول كذا ، وسمعت زيدا يتكلم " .
وللنحويين في هذه المسألة قولان ، أحدهما : أنها تتعدى فيه أيضا إلى مفعول واحد ، والجملة الواقعة بعد المنصوب صفة إن كان قبلها نكرة ، وحالا إن كان معرفة . والثاني : - قول
nindex.php?page=showalam&ids=12095الفارسي وجماعة - تتعدى لاثنين الجملة في محل الثاني منهما . فعلى قول الجمهور يكون "ينادي " في محل نصب لأنه صفة لمنصوب قبله ، وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=12095الفارسي يكون في محل نصب على أنه مفعول ثان .
[ ص: 535 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : "تقول : سمعت رجلا يقول كذا ، وسمعت زيدا يتكلم ، فتوقع الفعل على الرجل ، وتحذف المسموع لأنك وصفته بما يسمع أو جعلته حالا منه فأغناك عن ذكره ، ولولا الوصف أو الحال لم يكن منه بد ، وأن تقول : سمعت كلام فلان أو قوله " . وهذا قول الجمهور الذي قدمت لك ذكره . إلا أن الشيخ اعترض عليه فقال : "قوله : ولولا الوصف أو الحال إلى آخره ليس كذلك ، بل لا يكون وصف ولا حال ومع ذلك تدخل " سمع "على ذات لا على مسموع " كقوله تعالى :
هل يسمعونكم إذ تدعون فأغنى ذكر ظرف الدعاء من المسموع " .
وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء في " ينادي "أن يكون في محل نصب على الحال من الضمير المستكن في " مناديا " .
فإن قيل : فما الفائدة في الجمع بين " مناد "و " ينادي " ؟ فأجاب
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بأنه ذكر النداء مطلقا ثم مقيدا بالإيمان تفخيما لشأن المنادي لأنه لا منادي أعظم من مناد للإيمان ، وذلك أن المنادي إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب أو لإطفاء الثائرة أو لإغاثة المكروب أو لكفاية بعض النوازل أو لبعض المنافع ، فإذا قلت : " ينادي للإيمان "فقد رفعت من شأن المنادي وفخمته .
وأجاب
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء عنه بثلاثة أجوبة أحدها : التوكيد نحو : قم قائما . الثاني : أنه وصل به ما حسن التكرير وهو " للإيمان " . الثالث : أنه لو اقتصر
[ ص: 536 ] على الاسم لجاز أن نسمع معروفا بالنداء يذكر ما ليس بنداء فلما قال " ينادي "ثبت أنهم سمعوا نداءه في هذه الحال .
ومفعول " ينادي "محذوف أي : ينادي الناس . ويجوز ألا يراد مفعول نحو :
أمات وأحيا . و " نادى "و " دعا "يتعديان باللام تارة وبـ " إلى "أخرى ، وكذلك " ندب " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : "وذلك أن معنى انتهاء الغاية ومعنى الاختصاص واقعان جميعا " فاللام في موضعها ، ولا حاجة إلى أن يقال : إنها بمعنى "إلى " ولا إنها بمعنى الباء ، ولا إنها لام العلة أي : لأجل الإيمان كما ذهب إلى ذلك بعضهم .
قوله :
أن آمنوا في "أن " قولان ، أحدهما : أنها تفسيرية لأنها وقعت بعد فعل بمعنى القول لا حروفه ، وعلى هذا فلا موضع لها من الإعراب . والثاني : أنها المصدرية وصلت بفعل الأمر ، وفي وصلها به نظر من حيث إنها إذا انسبك منها ومما بعدها مصدر تفوت الدلالة على الأمرية ، واستدلوا على وصلها بالأمر بقولهم : "كتبت إليه بأن قم " فهي هنا مصدرية ليس إلا ، وإلا يلزم تعليق حرف الجر . ولهذا موضع هو أليق به ، وإذ قيل بأنها مصدرية فالأصل التعدي إليها بالباء أي : بأن آمنوا ، فيكون فيها المذهبان المشهوران : الجر والنصب .
وقوله :
فآمنا عطف على "سمعنا " ، والعطف بالفاء مؤذن بتعجيل القبول وتسبب الإيمان عن السماع من غير مهلة ، والمعنى : فآمنا بربنا .
قوله :
مع الأبرار ظرف متعلق بما قبله أي : توفنا معدودين في صحبتهم . وقيل : تجوز به هنا عن الزمان . ويجوز أن يكون حالا من المفعول
[ ص: 537 ] فيتعلق بمحذوف ، وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي nindex.php?page=showalam&ids=14803وأبو البقاء أن تكون صفة لمحذوف أي : أبرارا مع الأبرار كقوله :
1514 - كأنك من جمال بني أقيش يقعقع خلف رجليه بشن
أي : كأنك جمل من جمال . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء : "ويكون " أبرارا "حالا ، ولا حاجة إلى دعوى ذلك . والأبرار يجوز أن يكون جمع " بار "كصاحب وأصحاب ، أو بر بزنة " كتف "نحو : كتف وأكتاف .