صفحة جزء
آ. (39) قوله : والذين كفروا إلى قوله: خالدون : "الذين" مبتدأ وما بعده صلة وعائد، و"بآياتنا" متعلق بكذبوا، ويجوز أن تكون الآية من باب الإعمال؛ لأن "كفروا" يطلبها، ويكون من إعمال الثاني للحذف من الأول، والتقدير: كفروا بنا وكذبوا بآياتنا.

و"أولئك" مبتدأ ثان و"أصحاب" خبره، والجملة خبر الأول، ويجوز أن يكون "أولئك" بدلا من الموصول أو عطف بيان له، و"أصحاب" خبر المبتدأ الموصول.

وقوله: هم فيها خالدون جملة اسمية في محل نصب على الحال للتصريح بذلك في مواضع، قال تعالى: أصحاب النار خالدين .

وأجاز أبو البقاء أن تكون حالا من "النار"، قال: "لأن فيها ضميرا يعود عليها، ويكون العامل فيها معنى الإضافة أو اللام المقدرة"، انتهى، وقد عرف ما في ذلك.

[ ص: 307 ] ويجوز أن تكون في محل رفع خبرا لأولئك، وأيضا فيكون قد أخبر عنه بخبرين، أحدهما مفرد وهو "أصحاب"، والثاني جملة، وقد عرف ما فيه من الخلاف.

و"فيها" متعلق بـ"خالدون".

قالوا: وحذف من الكلام الأول ما أثبت في الثاني، ومن الثاني ما أثبت في الأول، والتقدير: فمن تبع هداي فلا خوف ولا حزن يلحقه وهو صاحب الجنة، ومن كفر وكذب لحقه الحزن والخوف وهو صاحب النار؛ لأن التقسيم يقتضي ذلك، ونظروه بقول الشاعر:


397 - وإني لتعروني لذكراك فترة كما انتفض العصفور بلله القطر



والآية [لغة]: العلامة، قال النابغة الذبياني:


398 - توهمت آيات لها فعرفتها     لستة أعوام وذا العام سابع



وسميت آية القرآن [آية] لأنها علامة لانفصال ما قبلها عما بعدها.

وقيل: سميت بذلك لأنها تجمع حروفا من القرآن فيكون من قولهم: "خرج بنو فلان بآيتهم" أي: بجماعتهم، قال الشاعر:

[ ص: 308 ]

399 - خرجنا من النقبين لا حي مثلنا     بآياتنا نزجي اللقاح المطافلا



واختلف النحويون في وزنها: فمذهب سيبويه والخليل أنها فعلة، والأصل: أيية بفتح العين، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وهذا شاذ؛ لأنه إذا اجتمع حرفا علة أعل الأخير؛ لأنه محل التغيير نحو: هوى وحوى، ومثلها في الشذوذ: غاية وطاية وراية.

ومذهب الكسائي أن وزنها آيية على وزن فاعلة، فكان القياس أن يدغم فيقال: آية كدابة إلا أنه ترك ذلك تخفيفا، فحذفوا عينها كما خففوا كينونة، والأصل: كينونة بتشديد الياء، وضعفوا هذا بأن بناء كينونة أثقل فناسب التخفيف بخلاف هذه.

ومذهب الفراء أنها فعلة بسكون العين، واختاره أبو البقاء قال: "لأنها من تأيا القوم أي اجتمعوا، وقالوا في الجمع: آياء، فظهرت الياء [الأولى] ، والهمزة الأخيرة بدل من ياء، ووزنه أفعال، والألف الثانية بدل من همزة هي فاء الكلمة، ولو كانت عينها واوا لقالوا في الجمع: آواء، ثم إنهم قلبوا الياء الساكنة ألفا على غير قياس" انتهى، يعني أن حرف العلة لا يقلب حتى يتحرك وينفتح ما قبله.

[ ص: 309 ] وذهب بعض الكوفيين إلى أن وزنها أيية، بكسر العين مثل: نبقة فأعل، وهو في الشذوذ كمذهب سيبويه والخليل.

وقيل وزنها: فعلة بضم العين، وقيل أصلها: أياة بإعلال الثاني، فقلبت بأن قدمت اللام وأخرت العين وهو ضعيف، فهذه ستة مذاهب لا يسلم كل واحد منها من شذوذ.

التالي السابق


الخدمات العلمية