صفحة جزء
آ. (3) قوله : هو الأبتر : يجوز أن يكون "هو" مبتدأ، و "الأبتر" خبره. والجملة خبر "إن" ، وأن يكون فصلا. وقال أبو البقاء: "أو توكيد" وهو غلط منه لأن المظهر لا يؤكد بالمضمر. والأبتر: الذي لا عقب له، وهو في الأصل الشيء المقطوع، من بتره، [ ص: 127 ] أي: قطعه. وحمار أبتر: لا ذنب له. ورجل أباتر بضم الهمزة: قاطع رحمه قال:


4660 - لئيم نزت في أنفه خنزوانة على قطع ذي القربى أحد أباتر



وبتر هو بالكسر: انقطع ذنبه.

وقرأ العامة "شانئك" بالألف اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال أو الماضي. وقرأ ابن عباس "شنئك" بغير ألف. فقيل: يجوز أن يكون بناء مبالغة كفعال ومفعال. وقد أثبته سيبويه، وأنشد:


4661 - حذر أمورا لا تضير وآمن     ما ليس منجيه من الأقدار



وقال زيد الخيل:


4662 - أتاني أنهم مزقون عرضي     جحاش الكرملين لها فديد



فإن كان بمعنى الحال أو الاستقبال فإضافته لمفعوله من نصب. [ ص: 128 ] وإن كان بمعنى المضي فهي لا من نصب. وقيل: يجوز أن يكون مقصورا من فاعل كقولهم: بر وبار، وبرد وبارد.

قوله: فصل الفاء للتعقيب والتسبيب، أي: تسبب عن هذه المنة العظيمة وعقبها أمرك بالتخلي لعبادة المنعم عليك وقصدك إليه بالنحر، لا كما تفعل قريش من صلاتها ونحرها لأصنامها.

وقال أهل العلم: قد احتوت هذه السورة، على كونها أقصر سورة في القرآن، على معان بليغة وأساليب بديعة وهي اثنان وعشرون. الأول: دلالة استهلال السورة على أنه إعطاء كثير من كثير. الثاني: إسناد الفعل للمتكلم المعظم نفسه. الثالث: إيراده بصيغة الماضي تحقيقا لوقوعه ك أتى أمر الله . الرابع: تأكيد الجملة بـ إن. الخامس: بناء الفعل على الاسم ليفيد الإسناد مرتين. السادس: الإتيان بصيغة تدل على مبالغة الكثرة. السابع: حذف الموصوف بالكوثر; لأن في حذفه من فرط الشياع والإبهام ما ليس في إثباته. الثامن: تعريفه بأل الجنسية الدالة على الاستغراق. التاسع: فاء التعقيب، فإنها كما تقدم دالة على التسبيب، فإن الإنعام سبب للشكر والعبادة. العاشر: التعريض بمن كانت صلاته ونحره لغير الله تعالى. الحادي عشر: أن الأمر بالصلاة إشارة إلى الأعمال الدينية التي الصلاة قوامها وأفضلها، والأمر بالنحر إشارة إلى الأعمال البدنية التي النحر أسناها. الثاني عشر: حذف متعلق "انحر" إذ التقدير: [ ص: 129 ] فصل لربك وانحر له. الثالث عشر: مراعاة السجع فإنه من صناعة البديع العاري عن التكلف. الرابع عشر قوله: " ربك " في الإتيان بهذه الصفة دون سائر صفاته الحسنى دلالة على أنه هو المصلح له المربي لنعمه فلا تلتمس كل خير إلا منه. الخامس عشر: الالتفات من ضمير المتكلم إلى الغائب في قوله: "لربك" . السادس عشر: جعل الأمر بترك الاهتبال بشانئيه للاستئناف، وجعله خاتمة للإعراض عن الشانئ، ولم يسمه ليشمل كل من اتصف - والعياذ بالله - بهذه الصفة القبيحة، وإن كان المراد به شخصا معنيا. السابع عشر: التنبيه بذكر هذه الصفة القبيحة على أنه لم يتصف إلا بمجرد قيام الصفة به، من غير أن يؤثر في من يشنؤه شيئا البتة; لأن من يشنأ شخصا قد يؤثر فيه شنآنه شيئا. الثامن عشر: تأكيد الجملة بـ "إن" المؤذنة بتأكيد الخبر، ولذلك يتلقى بها القسم، وتقدير القسم يصلح هنا، التاسع عشر: الإتيان بضمير الفصل المؤذن بالاختصاص والتأكيد إن جعلنا "هو" فصلا، وإن جعلناه مبتدأ فكذلك يفيد التأكيد، إذ يصير الإسناد مرتين. العشرون: تعريف الأبتر بـ أل المؤذنة بالخصوصية بهذه الصفة، كأنه قيل: الكامل في هذه الصفة. الحادي والعشرون: الإتيان بصيغة أفعل الدالة على التناهي في هذه الصفة. الثاني والعشرون: إقباله على رسوله عليه السلام بالخطاب من أول السورة إلى آخرها.

(تمت بعونه تعالى سورة الكوثر)

[ ص: 130 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية