صفحة جزء
آ . (3) قوله تعالى : وإن خفتم : شرط ، وفي جوابه وجهان ، أحدهما : أنه قوله : فانكحوا ، وذلك أنهم كانوا يتزوجون الثمان والعشر ولا يقومون بحقوقهن ، فلما نزلت : ولا تأكلوا أموالهم أخذوا يتحرجون من [ ص: 559 ] ولاية اليتامى ، فقيل لهم : إن خفتم من الجور في حقوق اليتامى فخافوا أيضا من الجور في حقوق النساء فانكحوا هذا العدد ، لأن الكثرة تفضي إلى الجور ولا تنفع التوبة من ذنب مع ارتكاب مثله .

والثاني : أن الجواب قوله : " فواحدة " والمعنى : أن الرجل منهم كان يتزوج اليتيمة التي في ولايته ، فلما نزلت الآية المتضمنة للوعيد على أكل مال اليتيم تحرجوا من ذلك ، فقيل لهم : إن خفتم من نكاح النساء اليتامى فانكحوا ما طاب من الأجنبيات ، أي : اللاتي لسن تحت ولايتكم ، فعلى هذا يحتاج إلى تقدير مضاف ، أي : في نكاح يتامى النساء . فإن قيل : "فواحدة " جواب لقوله : فإن خفتم ألا تعدلوا فكيف يكون جوابا للأول ؟ أجيب عن ذلك بأنه أعاد الشرط الثاني ، لأنه كالأول في المعنى ، لما طال الفصل بين الأول وجوابه ، وفيه نظر لا يخفى . على متأمله .

والخوف هنا على بابه ، فالمراد به الحذر ، وقال أبو عبيدة : إنه بمعنى اليقين ، وأنشد :


1530 - فقلت لهم خافوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد



أي : أيقنوا ، وقد تقدم تحقيق ذلك والرد عليه ، وأن في المسألة ثلاثة أقوال عند قوله تعالى : إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله .

قوله : ألا تقسطوا إن قدرت أنها على حذف حرف جر أي : "من أن لا " ففيها الخلاف المشهور : أهي في محل نصب أو جر ، وإن لم تقدر ذلك بل [ ص: 560 ] وصل الفعل إليها بنفسه ، كأنك قلت : "فإن حذرتم " فهي في محل نصب فقط ، كما تقدم في البقرة .

وقرأ الجمهور : "تقسطوا " بضم التاء من "أقسط " إذا عدل ، فـ "لا " على هذه القراءة نافية ، والتقدير : وإن خفتم عدم الإقساط أي : العدل . وقرأ إبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب بفتحها من "قسط " ، وفيها تأويلان ، أحدهما : أن "قسط " بمعنى جار ، وهذا هو المشهور في اللغة ، أعني أن الرباعي بمعنى عدل ، والثلاثي بمعنى جار ، وكأن الهمزة فيه للسلب ، فمعنى "أقسط " أي : أزال القسط وهو الجور ، و "لا " على هذا القول زائدة ليس إلا ، وإلا يفسد المعنى ، كهي في قوله : لئلا يعلم . والثاني : حكى الزجاج : أن "قسط " الثلاثي يستعمل استعمال "أقسط " الرباعي ، فعلى هذا تكون "لا " غير زائدة ، كهي في القراءة الشهيرة ، إلا أن التفرقة هي المعروفة لغة .

قال الراغب : "القسط " : أن يأخذ قسط غيره ، وذلك جور ، والإقساط : أن يعطي قسط غيره ، وذلك إنصاف ، ولذلك يقال : "قسط الرجل إذا جار ، وأقسط : إذا عدل ، قال تعالى :

وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ، وقال تعالى : وأقسطوا إن الله يحب المقسطين .

ومن غريب ما يحكى أن الحجاج لما أحضر الحبر الشهير سعيد بن جبير ، قال له : "ما تقول في ؟ " قال : "قاسط عادل " ، فأعجب الحاضرين ، [ ص: 561 ] فقال لهم الحجاج : "ويلكم . لم تفهموا عنه ، إنه جعلني جائرا كافرا ، ألم تسمعوا قوله تعالى : وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وقوله تعالى : ثم الذين كفروا بربهم يعدلون وقد تقدم استيفاء الكلام في هذه المادة في قوله : قائما بالقسط .

قوله : ما طاب في " ما "هذه أوجه أحدها : أنها بمعنى الذي ، وذلك عند من يرى أن " ما "تكون للعاقل ، وهي مسألة مشهورة ، قال بعضهم : " وحسن وقوعها هنا أنها واقعة على النساء وهن ناقصات العقول . وبعضهم يقول : هي لصفات من يعقل . وبعضهم يقول : لنوع من يعقل ، كأنه قيل : النوع الطيب من النساء ، وهي عبارات متقاربة ، ولذلك لم نعدها أوجها .

الثاني : أنها نكرة موصوفة أي : انكحوا جنسا طيبا ، أو عددا طيبا .

الثالث : أنها مصدرية ، وذلك المصدر واقع موقع اسم فاعل تقديره : فانكحوا الطيب . وقال الشيخ هنا : "والمصدر مقدر هنا باسم الفاعل ، والمعنى : فانكحوا النكاح الذي طاب لكم " ، والأول أظهر .

الرابع : أنها ظرفية ، والظرفية تستلزم المصدرية ، والتقدير : فانكحوا مدة يطيب فيها النكاح لكم . إذا تقرر هذا فإن قلنا : إنها موصولة اسمية أو نكرة موصوفة أو مصدرية والمصدر واقع موقع اسم الفاعل كانت "ما " مفعولا بـ "انكحوا " . ويكون "من النساء " فيه وجهان ، أحدهما : أنها لبيان الجنس المبهم في "ما " عند من يثبت لها ذلك . والثاني : أنها تبعيضية ، أي : بعض النساء ، وتتعلق بمحذوف على أنها حال من "ما طاب " . وإن قلنا : إنها [ ص: 562 ] مصدرية ظرفية أو مصدرية محضة ، ولم يوقع المصدر موقع اسم فاعل كما تقدمت حكايته عن الشيخ كان مفعول "فانكحوا " قوله "من النساء " ، نحو قولك : أكلت من الرغيف ، وشربت من العسل "أي : شيئا من الرغيف وشيئا من العسل . فإن قيل : لم لا تجعل على هذا " مثنى "وما بعدها مفعول " فانكحوا "أي : فانكحوا هذا العدد ؟ فالجواب : أن هذه الألفاظ المعدولة لا تلي العوامل .

وقرأ ابن أبي عبلة : " من طاب "وهو مرجح كون " ما "بمعنى الذي للعاقل . وفي مصحف أبي بن كعب : " طيب "بالياء ، وهذا ليس بمبني للمفعول ، لأنه قاصر ، وإنما كتب كذلك دلالة على الإمالة وهي قراءة حمزة .

قوله : مثنى منصوب على الحال من "ما طاب " . وجعله أبو البقاء حالا من "النساء " . وأجاز هو وابن عطية أن يكون بدلا من "ما " . وهذان الوجهان ضعيفان : أما الأول فلأن المحدث عنه إنما هو الموصول ، وأتى بقوله : "من النساء " كالتبيين . وأما الثاني فلأن البدل على نية تكرار العامل ، وقد تقدم أن هذه الألفاظ لا تباشر العوامل .

واعلم أن هذه الألفاظ المعدولة فيها خلاف ، وهل يجوز فيها القياس أم يقتصر فيها على السماع ؟ قولان : قول البصريين عدم القياس ، وقول الكوفيين وأبي إسحاق جوازه ، والمسموع من ذلك أحد عشر لفظا : أحاد وموحد ، وثناء ومثنى ، وثلاث ومثلث ، ورباع ومربع ، ومخمس ، ولم يسمع خماس ، وعشار ومعشر . واختلفوا أيضا في صرفها وعدمه : فجمهور النحاة على منعه ، وأجاز الفراء صرفها ، وإن كان المنع عنده أولى .

[ ص: 563 ] واختلفوا أيضا في سبب منع الصرف فيها على أربعة مذاهب ، أحدها : مذهب سيبويه ، وهو أنها منعت الصرف للعدل والوصف : أما الوصف فظاهر ، وأما العدل فلكونها معدولة من صيغة إلى صيغة ، وذلك أنها معدولة عن عدد مكرر ، فإذا قلت : جاء القوم أحاد أو موحد ، أو ثلاث أو مثلث كان بمنزلة قولك : "جاءوا واحدا واحدا وثلاثة ثلاثة " . ولا يراد بالمعدول عنه التوكيد ، إنما يراد به تكرير العدد كقولهم : "علمته الحساب بابا بابا " .

والثاني : مذهب الفراء ، وهو العدل والتعريف بنية الألف واللام ، ولذلك يمتنع إضافتها عنده لتقدير الألف واللام ، وامتنع ظهور الألف واللام عنده لأنها في نية الإضافة .

الثالث : مذهب أبي إسحاق : وهو عدلها عن عدد مكرر ، وعدلها عن التأنيث .

والرابع : نقله الأخفش عن بعضهم أنه تكرار العدل ، وذلك أنه عدل عن لفظ اثنين اثنين ، وعن معناه لأنه قد لا يستعمل في موضع تستعمل فيه الأعداد غير المعدولة تقول : جاءني اثنان وثلاثة ، ولا تقول : "جاءني مثنى وثلاث " حتى يتقدم قبله جمع ، لأن هذا الباب جعل بيانا لترتيب الفعل . فإذا قلت : "جاء القوم مثنى " أفاد أن مجيئهم وقع من اثنين اثنين ، بخلاف غير المعدولة ، فإنها تفيد الإخبار عن مقدار المعدود دون غيره ، فقد بان بما ذكرنا اختلافهما في المعنى ، فلذلك جاز أن تقوم العلة مقام علتين لإيجابها حكمين مختلفين . انتهى . ولهذه المذاهب أدلة واعتراضات وأجوبة ليس هذا موضعها .

[ ص: 564 ] وقال الزمخشري : "إنما منعت الصرف لما فيها من العدل : عدلها عن صيغتها ، وعدلها عن تكررها ، وهن نكرات يعرفن بلام التعريف ، يقال : " فلان ينكح المثنى والثلاث " . قال الشيخ : " وما ذهب إليه من امتناعها لذلك لا أعلم أحدا قاله ، بل المذاهب فيه أربعة " ، وذكرها كما تقدم ، وقد يقال : إن هذا هو المذهب الرابع ، وعبر عن العدل في المعنى بعدلها عن تكررها . وناقشه الشيخ أيضا في مثاله بقوله : "ينكح المثنى " من وجهين ، أحدهما : دخول "أل " عليها ، قال : "وهذا لم يذهب إليه أحد ، بل لم تستعمل في لسان العرب إلا نكرات " . الثاني : أنه أولاها العوامل ، ولا تلي العوامل ، بل يتقدمهما شيء يلي العوامل ، ولا تقع إلا أخبارا كقوله عليه السلام : " صلاة الليل مثنى مثنى " ، أو أحوالا كهذه الآية الكريمة ، أو صفات نحو قوله تعالى : أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ، وقوله :


1531 - ... ... ... ...     ذئاب تبغى الناس مثنى وموحد



وقد وقعت إضافتها قليلا كقوله :

[ ص: 565 ]

1532 - ... ... ... ...     بمثنى الزقاق المترعات وبالجزر



وقد استدل بعضهم على إيلائها العوامل على قلة بقوله :


1533 - ضربت خماس ضربة عبشمي     أدار سداس أن لا يستقيما



ويمكن تأويله على حذف المفعول لفهم المعنى تقديره : ضربتهم خماس .

ومن أحكام هذه الألفاظ ألا تؤنث بالتاء ، لا تقول : "مثناة " ولا "ثلاثة " ، بل تجري على المذكر والمؤنث جريانا واحدا .

وقرأ النخعي وابن وثاب : "وربع " من غير ألف . وزاد الزمخشري عن النخعي : "وثلث " أيضا ، وغيره عنه : "ثنى " مقصورا من "ثناء " . حذفوا الألف من ذلك كله تخفيفا ، كما حذفها الآخر في قوله :

1534 - وصليانا بردا

[ ص: 566 ] يريد : باردا .

قوله : فإن خفتم شرط ، جوابه : "فواحدة " ، وقد تقدم أن منهم من جعل "فواحدة " جوابا للأول ، وكرر الثاني لما طال الفصل ، وجعل قوله : فانكحوا جملة اعتراض ، ويعزى لأبي علي ، ولعله لا يصح عنه . قال الشيخ : "لأنه إذا أنتج من الآيتين : هذه وقوله : ولن تستطيعوا ما أنتج من الدلالة اقتضى أنه لا يجوز أن يتزوج غير واحدة أو يتسرى بما ملكت يمينه ، ويبقى الفصل بجملة الاعتراض لا فائدة له ، بل يكون لغوا على زعمه " .

والجمهور على نصب "فواحدة " بإضمار فعل أي : فانكحوا واحدة وطؤوا ما ملكت أيمانكم ، وإنما قدرنا ناصبا آخر لملك اليمين ؛ لأن النكاح لا يقع في ملك اليمين إلا أن يريد به الوطء في هذا والتزوج في الأول ، فليزم استعمال المشترك في معنييه أو الجمع بين الحقيقة والمجاز ، وكلاهما مقول به ، وهذا قريب من قوله :


1535 - علفتها تبنا وماء باردا

... ... ... ...

وبابه .

وقرأ الحسن وأبو جعفر : "فواحدة " بالرفع ، وفيه ثلاثة أوجه ، أحدها : الرفع بالابتداء ، وسوغ الابتداء بالنكرة اعتمادها على فاء الجزاء ، والخبر [ ص: 567 ] محذوف أي : فواحدة كافية . الثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف أي : فالمقنع واحدة . الثالث : أنه فاعل بفعل مقدر أي : فيكفي واحدة .

و "أو " على بابها من كونها للإباحة أو التخيير . و "ما " في "ما ملكت " كهي في قوله : "ما طاب " . وأضاف الملك لليمين لأنها محل المحاسن ، وبها تتلقى رايات المجد . وروي عن أبي [عمرو ] : "فما ملكت أيمانكم " ، والمعنى : إن لم يعدل في عشرة واحدة فما ملكت يمينه . وقرأ ابن أبي عبلة : "أو من ملكت أيمانكم " .

قوله : ذلك أدنى مبتدأ وخبر ، و "ذلك " إشارة إلى اختيار الواحدة أو التسري . و "أدنى " أفعل تفضيل من دنا يدنو أي : قرب أي : أقرب إلى عدم العول .

و ألا تعولوا في محل نصب أو جر على الخلاف المشهور في "أن " بعد حذف حرف الجر ، وفي ذلك الحرف المحذوف ثلاثة أوجه ، أحدها : "إلى " أي : أدنى إلى ألا تعولوا . والثاني : "اللام " والتقدير : أدنى لئلا تعولوا . والثالث : وقدره الزمخشري : من أن لا تميلوا ، لأن أفعل التفضيل يجري مجرى فعله ، فما تعدى به فعله تعدى هو به ، وأدنى من دنا ، و "دنا " يتعدى بـ إلى واللام ومن . تقول : دنوت إليه وله ومنه .

وقرأ الجمهور : "تعولوا " من عال يعول إذا مال وجار ، والمصدر : العول [ ص: 568 ] والعيالة ، وعال الحاكم أي : جار ، قال أبو طالب في النبي صلى الله عليه وسلم :


1536 - ... ... ... ...     له حاكم من نفسه غير عائل



وعال الرجل عياله يعولهم أي : مانهم من المؤونة ، ومنه : "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " ، وحكى ابن الأعرابي : عال الرجل يعول : كثر عياله ، وعال يعيل افتقر وصار له عائلة . والحاصل : أن "عال " يكون لازما ومتعديا ، فاللازم يكون بمعنى مال وجار ، ومنه "عال الميزان " ، وبمعنى كثر عياله ، وبمعنى تفاقم الأمر ، والمضارع من هذا كله يعول ، وعال الرجل ، افتقر ، وعال في الأرض ذهب فيها ، والمضارع من هذين يعيل ، والمتعدي يكون بمعنى أثقل وبمعنى مان من المؤونة وبمعنى غلب ، ومنه "عيل صبري " ، ومضارع هذا كله : يعول ، وبمعنى أعجز ، تقول : أعالني الأمر أي : أعجزني ، ومضارع هذا يعيل ، والمصدر عيل ومعيل . فقد تلخص من هذا أن "عال " اللازم يكون تارة من ذوات الواو وتارة من ذوات الياء باختلاف المعنى ، وكذلك "عال " المتعدي أيضا .

وفسر الشافعي "تعولوا " بمعنى : يكثر عيالكم ، ورد هذا القول جماعة كأبي بكر بن داود الرازي والزجاج وصاحب "النظم " . قال الرازي : [ ص: 569 ] "هذا غلط من جهة المعنى واللفظ : أما الأول فلإباحة السراري مع أنه مظنة كثرة العيال كالتزوج ، وأما اللفظ فلأن مادة " عال "بمعنى كثر عياله من ذوات الياء لأنه من العيلة ، وأما " عال "بمعنى جار فمن ذوات الواو فاختلفت المادتان ، وأيضا فقد خالف المفسرين " . وقال صاحب النظم : "قال أولا " ألا تعدلوا "فوجب أن يكون ضده الجور " .

وقد رد الناس على هؤلاء ، أما قولهم : التسري أيضا يكثر معه العيال من أنه مباح "فممنوع ، وذلك لأن الأمة ليست كالمنكوحة ، ولهذا يعزل عنها بغير إذنها ويؤجرها ويأخذ أجرتها ينفقها عليه وعليها وعلى أولادها . وقال الزمخشري : " وجهه أن يجعل من قولك : "عال الرجل عياله يعولهم " كقولك : مانهم يمونهم أي : أنفق عليهم ، لأن من كثر عياله لزمه أن يعولهم ، وفي ذلك ما يصعب عليه المحافظة من كسب الحلال والأخذ من طيب الرزق "ثم أثنى على الشافعي ثناء جميلا ، وقال : " ولكن للعلماء طرق وأساليب ، فسلك في تفسير هذه الكلمة مسلك الكنايات " . انتهى .

وأما قولهم : "خالف المفسرين " فليس بصحيح ، بل قاله زيد بن أسلم وابن زيد . وأما قولهم " اختلف المادتان "فليس بصحيح أيضا ؛ لأنه قد تقدم حكاية ابن الأعرابي عن العرب : " عال الرجل يعول : كثر عياله " ، وحكاها الكسائي أيضا ، قال : " يقال : عال الرجل يعول ، وأعال يعيل : كثر عياله "ونقلها أيضا الدوري المقرئ لغة عن حمير وأنشد :


1537 - وإن الموت يأخذ كل حي     بلا شك وإن أمشى وعالا



[ ص: 570 ] أمشى : كثرت ماشيته ، وعال : كثر عياله ، ولا حجة في هذا ؛ لاحتمال أن يكون " عال "من ذوات الياء ، وهم لا ينكرون أن " عال "يكون بمعنى كثر عياله ، وروي عنه أيضا أنه فسر " تعولوا "بمعنى تفتقروا ، ولا يريد به أن تعولوا وتعيلوا بمعنى ، بل قصد الكناية أيضا ، لأن كثرة العيال سبب الفقر .

وقرأ طلحة : " تعيلوا "بفتح تاء المضارعة من عال يعيل : افتقر ، قال :


1538 - وما يدري الفقير متى غناه     وما يدري الغني متى يعيل



وقرأ طاوس : " تعيلوا "بضمها من أعال : كثر عياله ، وهي تعضد تفسير الشافعي المتقدم من حيث المعنى . وقال الراغب : " عاله وغاله يتقاربان ، لكن الغول فيما يهلك ، والعول فيما يثقل ، وعالت الفريضة : إذا زادت في القسمة المسماة لأصحابها بالنص " .

التالي السابق


الخدمات العلمية