صفحة جزء
آ . (5) قوله تعالى : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم أصل تؤتوا : تؤتيوا مثل : تكرموا ، فاستثقلت الضمة على الياء ، فحذفت الضمة فالتقى ساكنان : الياء وواو الضمير ، فحذفت الياء لئلا يلتقي ساكنان .

والسفهاء جمع سفيه ، وعن مجاهد : "المراد بالسفهاء النساء " ، وضعفه بعضهم بأن فعيلة إنما تجمع على فعائل أو فعيلات ، قاله ابن عطية . وقد نقل بعضهم أن سفيهة تجمع على سفهاء كالمذكر ، وعلى هذا لا يضعف قول مجاهد ، وجمع فعيلة الصفة على فعلاء وإن كان نادرا إلا أنه نقل في هذا [ ص: 580 ] اللفظ خصوصا ، وتخصيص ابن عطية جمع فعيلة بفعائل أو فعيلات ليس بظاهر ، لأنها يطرد فيها أيضا "فعال " نحو : كريمة وكرام وظريفة وظراف ، وكذلك إطلاقه فعيلة وكان من حقه أن يقيدها بألا تكون بمعنى مفعولة تحرزا من قتيلة فإنها لا تجمع على فعائل .

والجمهور على التي جعل الله لكم بلفظ الإفراد صفة للأموال ، وإن كانت جمعا ؛ لأنه تقدم غير مرة أن جمع ما لا يعقل في الكثرة ، أو لم يكن له إلا جمع واحد ، الأحسن فيه أن يعامل معاملة الواحدة المؤنثة ، والأموال من هذا القبيل لأنها جمع ما لا يعقل ، ولم تجمع إلا على أفعال ، وإن كانت بلفظ القلة لأن المراد بها الكثرة .

وقرأ الحسن والنخعي : "اللاتي " مطابقة للفظ الجمع ، وكان القياس ألا يوصف بـ "اللاتي " إلا ما يوصف مفرده بـ "التي " ، والأموال لا يوصف مفردها وهو "مال " بـ "التي " . وقال الفراء : "العرب تقول في النساء : " اللاتي "أكثر مما تقول " التي " ، وفي الأموال : " التي "أكثر مما تقول " اللاتي " . وكلاهما في كليهما جائز . وقرئ : " اللواتي "وهي جمع اللاتي ، فهي جمع الجمع ، أو جمع " التي "نفسها .

قوله : " قياما "إن قلنا إن " جعل "بمعنى صير فـ " قياما "مفعول ثان ، والأول محذوف وهو عائد الموصول ، والتقدير : " التي جعلها "أي : صيرها لكم قياما . وإن قلنا إنها بمعنى " خلق "فـ " قياما "حال من ذلك العائد المحذوف ، التقدير : جعلها أي : خلقها وأوجدها في حال كونها قياما .

[ ص: 581 ] وقرأ نافع وابن عامر : " قيما "وباقي السبعة : " قياما "وابن عمر : " قواما "بكسر القاف ، والحسن وعيسى بن عمر : " قواما "بفتحها ، ويروى عن أبي عمرو . وقرئ " قوما "بزنة عنب .

فأما قراءة نافع وابن عامر ففيها ثلاثة أوجه ، أحدها : أن " قيما "مصدر كالقيام وليس مقصورا منه ، قال الكسائي والأخفش والفراء ، فهو مصدر بمعنى القيام الذي يراد به الثبات والدوام . وقد رد هذا القول بأنه كان ينبغي أن تصح الواو لتحصنها بتوسطها ، كما صحت واو "عوض " و "حول " . وأجيب عنه بأنه تبع فعله في الإعلال . فكما أعل فعله أعل هو ، ولأنه بمعنى القيام فحمل عليه في الإعلال . وحكى الأخفش : قيما وقوما قال : "والقياس تصحيح الواو ، وإنما اعتلت على وجه الشذوذ كقولهم : " ثيرة " ، وقول بني ضبة : " طيال "في جمع طويل ، وقول الجميع " جياد "جمع جواد ، وإذا أعلوا " ديما "لاعتلال " ديمة "فاعتلال المصدر لاعتلال فعله أولى ، ألا ترى إلى صحة الجمع مع اعتلال مفرده في معيشة ومعايش ، ومقامة ومقاوم ، ولم يصححوا مصدرا أعلوا فعله .

الثاني : أنه مقصور من " قيام " ، فحذفوا الألف تخفيفا كما قالوا : خيم في " خيام "و " مخيط "و " مقول "في : " مخياط "و " مقوال " .

والثالث : أنه جمع " قيمة "كـ " ديم "في جمع ديمة ، والمعنى : أن الأموال كالقيم للنفوس لأن بقاءها بها . وقد رد الفارسي هذا الوجه ، وإن كان [ ص: 582 ] هو قول البصريين غير الأخفش بأنه قد قرئ قوله تعالى : دينا قيما ملة إبراهيم وقوله : البيت الحرام قيما للناس ولا يصح معنى القيمة فيهما . وقد رد عليه الناس بأنه لا يلزم من عدم صحة معناه في الآيتين المذكورتين ألا يصح هنا ، إذ معناه هنا لائق ، وهناك معنى آخر يليق بالآيتين المذكورتين كما سيأتي .

وأما قراءة باقي السبعة فهو مصدر " قام "والأصل قوام ، فأبدلت الواو ياء للقاعدة المعروفة ، والمعنى : التي جعلها الله سبب قيام أبدانكم أي : بقائها . وقال الزمخشري : " أي تقومون بها وتنتعشون " .

وأما قراءة عبد الله بن عمر ففيها وجهان ، أحدهما : أنه مصدر قاوم كـ لاوذ لواذا ، صحت الواو في المصدر كما صحت في الفعل . والثاني : أنه اسم لما يقوم به الشيء ، وليس بمصدر كقولهم : هذا ملاك الأمر " أي ما يملك به .

وأما قراءة الحسن ففيها وجهان ، أحدهما : أنه اسم مصدر كالكلام والدوام والسلام . والثاني : أنه لغة في القوام المراد به القامة ، والمعنى : التي جعلها الله سبب بقاء قاماتكم ، يقال : جارية حسنة القوام والقوام والقامة ، كله بمعنى واحد . وقال أبو حاتم : "قوام بالفتح خطأ " قال : "لأن القوام امتداد القامة " ، وقد تقدم تأويل ذلك على أن الكسائي قال : "هو بمعنى القوام " أي بالكسر ، يعني أنه مصدر .

[ ص: 583 ] وأما "قوما " فهو مصدر جاء على الأصل ، أعني تصحيح العين كالحول والعوض .

قوله : "فيها " فيه وجهان ، أحدهما أن "في " على بابها من الظرفية أي : اجعلوا رزقهم فيها . والثاني : أنه بمعنى "من " أي : بعضها ، والمراد : من أرباحها بالتجارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية