صفحة جزء
آ . (10) قوله تعالى : ظلما : فيه وجهان ، أحدهما : أنه مفعول [ ص: 594 ] من أجله ، وشروط النصب موجودة . والثاني : أنه مصدر في محل نصب على الحال أي : يأكلونه ظالمين ، والجملة من قوله : إنما يأكلون في محل رفع خبرا لـ "إن " ، وفي ذلك دلالة على وقوع خبر "إن " جملة مصدرة بـ "إن " وفي ذلك خلاف . قال الشيخ : "وحسنه هنا وقوع اسم " إن "موصولا فطال الكلام بصلة الموصول ، فلما تباعد لم يبال بذلك ، وهذا أحسن من قولك : " إن زيدا إن أباه منطلق " . ولقائل أن يقول : " ليس فيها دلالة على ذلك ؛ لأنها مكفوفة بـ "ما " ، ومعناها الحصر فصارت مثل قولك في المعنى : "إن زيدا ما انطلق إلا أبوه " وهو محل نظر .

قوله : في بطونهم فيه وجهان أحدهما : أنه متعلق بـ "يأكلون " أي : بطونهم أوعية للنار : إما حقيقة بأن يخلق الله لهم نارا يأكلونها في بطونهم ، أو مجازا بأن أطلق المسبب وأراد السبب . الثاني : أنه متعلق بمحذوف ؛ لأنه حال من "نارا " ، وكان في الأصل صفة للنكرة فلما قدمت انتصبت حالا .

وذكر أبو البقاء هذا الوجه عن أبي علي في "تذكرته " ، وحكى عنه أنه منع أن يكون ظرفا لـ "يأكلون " ، فإنه قال : في بطونهم نارا قد تقدم في البقرة منه شيء ، ويخص هذا الموضع أن "في بطونهم " حال من "نارا " أي : نارا كائنة في بطونهم ، وليس بظرف لـ "يأكلون " ، ذكره في "التذكرة " . وفي قوله : "والذي يخص هذا الموضع " فيه نظر ، فإنه كما يجوز أن يكون "في بطونهم " حالا من "نار " هنا يجوز أن يكون حالا من "النار " في البقرة ، وفي إبداء الفرق عسر ، ولم يظهر في منع أبي علي كون "في بطونهم " ظرفا للأكل وجه ظاهر .

[ ص: 595 ] قوله : وسيصلون قرأ الجمهور بفتح الياء واللام ، وابن عامر وأبو بكر بضم الياء مبنيا للمفعول من الثلاثي . ويحتمل أن يكون من أصلى ، فلما بني للمفعول قام الأول مقام الفاعل . وابن أبي عبلة بضمهما مبنيا للفاعل من الرباعي ، والأصل على هذه القراءة : سيصليون من أصلى مثل يكرمون من أكرم ، فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان ، فحذف أولهما وهو الياء وضم ما قبل الواو لتصح .

و "أصلى " : يحتمل أن تكون الهمزة فيه للدخول في الشيء ، فيتعدى لواحد وهو "سعيرا " وأن تكون للتعدية ، فالمفعول محذوف ، أي : يصلون أنفسهم سعيرا .

وأبو حيوة بضم الياء وفتح الصاد ، واللام مشددة ، مبنيا للمفعول من "صلى " مضعفا . قال أبو البقاء : "والتضعيف للتكثير " .

والصلي : الإيقاد بالنار ، يقال : صلي بكذا - بكسر العين - ، وقوله : لا يصلاها أي يصلى بها . وقال الخليل : "صلي الكافر النار " قاسى حرها . وصلاه النار وأصلاه غيره ، هكذا قال الراغب ، وظاهر هذه العبارة أن فعل وأفعل بمعنى ، يتعديان إلى اثنين ثانيهما بحرف الجر ، وقد يحذف . وقال غيره : "صلي بالنار أي : تسخن بقربها " ، فـ "سعيرا " على هذا منصوب على إسقاط الخافض . ويدل على أن أصل "يصلاها " يصلى بها قول الشاعر :

[ ص: 596 ]

1553 - إذا أوقدوا نارا لحرب عدوهم فقد خاب من يصلى بها وسعيرها



وقيل : يقال صليته النار : أدنيته منها ، فيجوز أن يكون منصوبا من غير إسقاط خافض . والسعير في الأصل : الجمر المشتعل ، سعرت النار : أوقدتها ، ومنه : "مسعر حرب " على التشبيه . والمسعر : الآلة التي تحرك بها النار .

التالي السابق


الخدمات العلمية