صفحة جزء
آ . (13) قوله تعالى : يدخله : حمل على لفظ "من " فأفرد الضمير في قوله : "يطع " و "يدخله " ، وعلى معناها فجمع في قوله "خالدين " . وهذا أحسن الحملين ، أعني الحمل على اللفظ ثم المعنى ، ويجوز العكس وإن كان ابن عطية قد منعه ، وليس بشيء لثبوته عن العرب ، وقد تقدم ذلك غير مرة وفيه تفصيل ، وله شروط مذكورة في كتب النحو .

وفي نصب " خالدين " وجهان ، أظهرهما : أنه حال من الضمير المنصوب في "يدخله " ، ولا يضر تغاير الحال وصاحبها من حيث كانت جمعا وصاحبها مفردا لما تقدم من اعتبار اللفظ والمعنى ، وهي مقدرة لأن الخلود بعد الدخول .

والثاني : أن يكون نعتا لـ "جنات " من باب ما جرى على موصوفه لفظا وهو لغيره معنى نحو : مررت برجل قائمة أمه ، وبامرأة حسن غلامها ، فـ "قائمة " و "حسن " وإن كانا جاريين على ما قبلهما لفظا فهما لما بعدهما معنى ، أجاز ذلك في الآية الكريمة الزجاج وتبعه التبريزي ، إلا أن الصفة إذا جرت على غير من هي له وجب إبراز الضمير مطلقا على مذهب البصريين : ألبس أو لم يلبس . وأما الكوفيون فيفصلون فيقولون : إذا جرت الصفة على غير من هي له : فإن ألبس وجب إبراز الضمير كما هو مذهب البصريين نحو : "زيد عمرو ضاربه هو " إذا كان الضرب واقعا من زيد على [ ص: 615 ] عمرو وإن لم يلبس لم يجب الإبراز نحو : "زيد هند ضاربها " ، إذا تقرر هذا فمذهب الزجاج في الآية إنما يتمشى على رأي الكوفيين ، وهو مذهب حسن .

واستدل من نصر مذهب الكوفيين بالسماع ، فمنه قراءة من قرأ : إلى طعام غير ناظرين إناه بجر "غير " مع عدم بروز الضمير ، ولو أبرزه لقال : "غير ناظرين إناه أنتم " ومنه قول الآخر :


1556 - قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت بكنه ذلك عدنان وقحطان



ولم يقل : بانوها هم ، وقد خرج بعضهم البيت على حذف مبتدأ تقديره : هم بانوها ، فـ "قومي " مبتدأ أول "و " ذرا "مبتدأ ثان ، و " هم "مبتدأ ثالث ، و " بانوها "خبر الثالث ، والثالث وخبره خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول .

وقد منع الزمخشري كون " خالدين "و " خالدا "صفة لـ " جنات "و " نارا "بعدم بروز الضمير فقال : " فإن قلت : هل يجوز أن يكونا صفتين لـ "جنات " و "نارا " ؟ قلت : لا ، لأنهما جريا على غير من هما له ، فلا بد من الضمير في قولك : "خالدين هم فيها ، وخالدا هو فيها " .

ومنع أبو البقاء ذلك أيضا بعدم إبراز الضمير لكن مع "خالدا " ، [ ص: 616 ] ولم يتعرض لذلك مع "خالدين " ، ولا فرق بينهما ، ثم حكى جواز ذلك عن الكوفيين ، وهذا المنع على مذهب البصريين كما تقدم .

وقرأ نافع وابن عامر هنا "ندخله " في الموضعين ، وفي سورة التغابن والطلاق والفتح بنون العظمة ، والباقون بالياء ، والضمير لله تعالى ، وإنما جمع "خالدين " في الطائعين ، وأفرد "خالدا " في العاصين ، قالوا : لأن أهل الطاعة أهل الشفاعة ، فلما كانوا يدخلون هم والمشفوع لهم ناسب ذلك الجمع ، والعاصي لا يدخل به غيره النار فناسب ذلك الإفراد .

والجملة من قوله تجري من تحتها الأنهار في محل نصب صفة لـ "جنات " وقد تقدم غير مرة أن المنصوب بعد "دخل " من الظروف هل نصبه نصب الظروف أو نصب المفعول به ؟ الأول قول الجمهور ، والثاني قول الأخفش ، فكذلك "جنات " و "نارا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية