صفحة جزء
آ . (34) وقوله تعالى : على النساء : متعلق بـ " قوامون " وكذا "بما " ، والباء سببية ، ويجوز أن تكون للحال ، فتتعلق بمحذوف ؛ لأنها حال من الضمير في "قوامون " تقديره : مستحقين بتفضيل الله إياهم . و "ما " مصدرية وقيل : بمعنى الذي . وهو ضعيف لحذف العائد من غير مسوغ . والبعض الأول المراد به الرجال والبعض الثاني النساء ، وعدل عن الضميرين فلم يقل : بما فضلهم الله عليهن للإبهام الذي في "بعض " . " وبما أنفقوا " متعلق بما تعلق به الأول . و "ما " يجوز هنا أن تكون بمعنى الذي من غير ضعف ؛ لأن للحذف مسوغا أي : وبما أنفقوه من أموالهم .

و من أموالهم متعلق بـ "أنفقوا " ؛ أو بمحذوف على أنه حال من الضمير المحذوف . قوله : فالصالحات قانتات حافظات "الصالحات " : مبتدأ وما بعده خبران له . و "للغيب " متعلق بـ "حافظات " . وأل في "الغيب " عوض من الضمير عند الكوفيين كقوله : واشتعل الرأس شيبا أي : رأسي وقوله :


1577 - لمياء في شفتيها حوة لعس وفي اللثات وفي أنيابها شنب



أي : لثاتها :

والجمهور على رفع الجلالة من "حفظ الله " . وفي "ما " على هذه [ ص: 671 ] القراءة ثلاثة أوجه ، أحدها : أنها مصدرية والمعنى : بحفظ الله إياهن أي : بتوفيقه لهن أو بالوصية منه تعالى عليهن . والثاني : أن تكون بمعنى الذي والعائد محذوف أي : بالذي حفظه الله لهن من مهور أزواجهن والنفقة عليهن قاله الزجاج . والثالث : أن تكون "ما " نكرة موصوفة ، والعائد محذوف أيضا كما تقرر في الموصولة بمعنى الذي .

وقرأ أبو جعفر بنصب الجلالة ، وفي "ما " ثلاثة أوجه أيضا ، أحدها : أنها بمعنى الذي ، والثاني : نكرة موصوفة ، وفي "حفظ " ضمير يعود على "ما " أي : بما حفظ من البر والطاعة . ولا بد من حذف مضاف تقديره : بما حفظ دين الله أو أمر الله ، لأن الذات المقدسة لا يحفظها أحد . والثالث : أن تكون "ما " مصدرية ، والمعنى بما حفظن الله في امتثال أمره ، وساغ عود الضمير مفردا على جمع الإناث لأنهن في معنى الجنس ، كأنه قيل : ممن صلح ، فعاد الضمير مفردا بهذا الاعتبار ، ورد الناس هذا الوجه بعدم مطابقة الضمير لما يعود عليه وهذا جوابه . وجعله ابن جني مثل قول الشاعر :


1578 - ... ... ... ...     فإن الحوادث أودى بها



أي : أودين ، وينبغي أن يقال : الأصل بما حفظت الله ، والحوادث أودت ؛ لأنها يجوز أن يعود الضمير على جمع الإناث كعوده على الواحدة منهن ، تقول : "النساء قامت " ، إلا أنه شذ حذف تاء التأنيث من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث .

[ ص: 672 ] وقرأ عبد الله - وهي في مصحفه كذلك - "فالصوالح قوانت حوافظ " بالتكسير . قال ابن جني : "وهي أشبه بالمعنى لإعطائها الكثرة ، وهي المقصودة هنا " ، يعني أن فواعل من جموع الكثرة ، وجمع التصحيح جمع قلة ما لم يقترن بالألف واللام . وظاهر عبارة أبي البقاء أنه للقلة وإن اقترن بـ "أل " فإنه قال : "وجمع التصحيح لا يدل على الكثرة بوضعه ، وقد استعمل فيها كقوله تعالى : وهم في الغرفات آمنون . وفيما قاله أبو الفتح وأبو البقاء نظر ، فإن " الصالحات "في القراءة المشهورة معرفة بأل ، وقد تقدم أنه تكون للعموم ، إلا أن العموم المفيد للكثرة ليس من صيغة الجمع ، بل من " أل " ، وإذا ثبت أن الصالحات جمع كثرة لزم أن يكون " قانتات "و " حافظات "للكثرة لأنه خبر عن الجميع ، فيفيد الكثرة ، ألا ترى أنك إذا قلت : " الرجال قائمون "لزم أن يكون كل واحد من الرجال قائما ، ولا يجوز أن يكون بعضهم قاعدا ، فإذا القراءة الشهيرة وافية بالمعنى المقصود .

قوله : في المضاجع فيه وجهان ، أحدهما : أن " في "على بابها من الظرفية متعلقة بـ " اهجروهن "أي : اتركوا مضاجعتهن أي : النوم معهن دون كلامهن ومؤاكلتهن . والثاني : أنها للسبب قال أبو البقاء : " واهجروهن بسبب المضاجع كما تقول : "في هذه الجناية عقوبة " وجعل مكي هذا الوجه متعينا ، ومنع الأول ، قال : "ليس " في المضاجع "ظرفا للهجران ، وإنما [ ص: 673 ] هو سبب لهجران التخلف ، ومعناه : فاهجروهن من أجل تخلفهن عن المضاجعة معكم " . وفيه نظر لا يخفى وكلام الواحدي يفهم أنه يجوز تعلقه بـ "نشوزهن " فإنه قال - بعدما حكى عن ابن عباس كلاما - : "والمعنى على هذا : واللاتي تخافون نشوزهن في المضاجع " ، والكلام الذي حكاه عن ابن عباس هو قوله : "هذا كله في المضجع إذا هي عصت أن تضطجع معه " ولكن لا يجوز ذلك ؛ لئلا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي . وقدر بعضهم معطوفا بعد قوله : " واللاتي تخافون " أي : واللاتي تخافون نشوزهن ونشزن ، كأنه يريد أنه لا يجوز الإقدام على الوعظ وما بعده بمجرد الخوف . وقيل : لا حاجة إلى ذلك ؛ لأن الخوف بمعنى اليقين ، وقيل : غلبة الظن في ذلك كافية .

قوله : فلا تبغوا عليهن سبيلا في نصب "سبيلا " وجهان ، أحدهما : أنه مفعول به ، والثاني : أنه على إسقاط الخافض ، وهذان الوجهان مبنيان على تفسير البغي هنا ما هو ؟ فقيل : هو الظلم من قوله : فبغى عليهم ، فعلى هذا يكون لازما ، و "سبيلا " منصوب بإسقاط الخافض أي : بسبيل . وقيل : هو الطلب من قولهم : بغيته أي طلبته . وفي "عليهن " وجهان ، أحدهما : أنه متعلق بـ "تبغوا " . والثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من "سبيلا " لأنه في الأصل صفة النكرة قدم عليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية