صفحة جزء
آ . (40) قوله تعالى : مثقال ذرة : فيه وجهان ، أحدهما : أنه منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف أي : لا يظلم أحدا ظلما وزن ذرة ، فحذف المفعول والمصدر وأقام نعته مقامه . ولما ذكر أبو البقاء هذا الوجه [ ص: 681 ] قدر قبله مضافا محذوفا قال : "تقديره : ظلما قدر مثقال ذرة ، فحذف المصدر وصفته ، وأقام المضاف إليه مقامهما " . ولا حاجة إلى ذلك لأن المثقال نفسه هو قدر من الأقدار ، جعل معيارا لهذا القدر المخصوص . والثاني : أنه منصوب على أنه مفعول ثان لـ " يظلم " والأول محذوف ، كأنهم ضمنوا "بظلم " معنى "بغضب " و "بنقص " فعدوه لاثنين ، والأصل : إن الله لا يظلم أحدا مثقال ذرة .

قوله : وإن تك حسنة حذفت النون تخفيفا لكثرة الاستعمال ، وهذه قاعدة كلية ، وهو أنه يجوز حذف نون "يكون " مجزومة ، بشرط ألا يليها ضمير متصل نحو : "لم يكنه " وألا تحرك النون لالتقاء الساكنين نحو : لم يكن الذين كفروا خلافا ليونس ، فإنه أجاز ذلك مستدلا بقوله :


1583 - فإن لم تك المرآة أبدت وسامة فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم



وهذا عند سيبويه ضرورة ، وإنما حذفت النون لغنتها وسكونها فأشبهت الواو ، وهذا بخلاف سائر الأفعال نحو : "لم يضن " و "لم يهن " لكثرة استعمال "كان " ، وكان ينبغي أن تعود الواو عند حذف هذه النون ؛ لأنها إنما حذفت لالتقاء الساكنين وقد زال ثانيهما وهو النون إلا أنها كالملفوظ بها .

وقرأ الجمهور "حسنة " نصبا على خبر "كان " الناقصة ، واسمها مستتر فيها [ ص: 682 ] يعود على "مثقال " وإنما أنث ضميره حملا على المعنى ؛ لأنه بمعنى : وإن تكن زنة ذرة حسنة ، أو لإضافته إلى مؤنث فاكتسب منه التأنيث . وقرأ ابن كثير ونافع "حسنة " رفعا على أنها التامة أي : وإن تقع أو توجد حسنة .

وقرأ ابن كثير وابن عامر : "يضعفها " بالتضعيف ، والباقون "يضاعفها " . قال أبو عبيدة : "ضاعفه " يقتضي مرارا كثيرة ، و "ضعف " يقتضي مرتين ، وهذا عكس كلام العرب ؛ لأن المضاعفة تقتضي زيادة المثل ، فإذا شددت دلت البنية على التكثير ، فيقتضي ذلك تكرير المضاعفة بحسب ما يكون من العدد . وقال الفارسي : "هما لغتان بمعنى ، يدل عليه قوله" نضعف لها العذاب ضعفين "" فيضعفه له أضعافا كثيرة" وقد تقدم لنا الكلام على هذا بأبسط منه هنا . وقرأ ابن هرمز : " نضاعفها "بالنون ، وقرئ " يضعفها "بالتخفيف من أضعفه مثل أكرم .

قوله : من لدنه فيه وجهان ، أحدهما : أنه متعلق بـ " يؤت "و " من "للابتداء مجازا . والثاني : يتعلق بمحذوف على أنه حال من " أجرا "فإنه صفة نكرة في الأصل قدم عليها فانتصب حالا .

التالي السابق


الخدمات العلمية