صفحة جزء
آ . (42) قوله تعالى : يومئذ : فيه ثلاثة أقوال ، أحدها : أنه معمول لـ " يود " أي : يود الذين كفروا يوم إذ جئنا . والثاني : أنه معمول لـ " شهيدا " قاله أبو البقاء ، قال "وعلى هذا يكون " يود "صفة لـ " يوم " ، والعائد محذوف تقديره : فيه ، وقد ذكر ذلك في قوله واتقوا يوما لا تجزي وفيما قاله نظر لا يخفى .

والثالث : أن " يوم "مبني لإضافته إلى " إذ "قاله الحوفي ، قال : لأن الظرف إذا أضيف إلى غير متمكن جاز بناؤه معه . و " إذ "هنا اسم ؛ لأن الظروف [ ص: 685 ] إذا أضيف إليها خرجت إلى معنى الاسمية من أجل تخصيص المضاف إليها كما تخصص الأسماء ، مع استحقاقها الجر ، والجر ليس من علامات الظروف " .

والتنوين في "إذ " تنوين عوض على الصحيح ، فقيل : عوض من الجملة الأولى في قوله جئنا من كل أي : يوم إذ جئنا من كل أمة بشهيد ، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ، والرسول على هذا اسم جنس . وقيل : عوض من الجملة الأخيرة ، وهي " وجئنا بك " ، ويكون المراد بالرسول محمدا صلى الله عليه وسلم . وكان النظم "وعصوك " ولكن أبرز ظاهرا بصفة الرسالة تنويها بقدره وشرفه .

وفي قوله : وعصوا ثلاثة أوجه ، أحدها : أنها جملة معطوفة على "كفروا " فتكون صلة ، فيكونون جامعين بين كفر ومعصية . وقيل : بل هي صلة لموصول آخر فيكونون طائفتين . وقيل : هي في محل نصب على الحال من "كفروا " و "قد " مرادة أي : وقد عصوا . وقرأ يحيى وأبو السمال : "وعصوا الرسول " بكسر الواو على الأصل .

قوله : لو تسوى إن قيل : إن "لو " على بابها كما هو قول الجمهور فمفعول "يود " محذوف أي : يود الذين كفروا تسوية الأرض [بهم ] ، ويدل عليه : لو تسوى بهم الأرض وجوابها حينئذ محذوف أي : لسروا بذلك . وإن قيل : إنها مصدرية كانت هي وما بعدها في محل مفعول "يود " ولا جواب لها حينئذ ، وقد تقدم تحقيق ذلك في يود أحدهم لو يعمر قال أبو البقاء " [ ص: 686 ] وعصوا الرسول " في موضع الحال ، و "قد " مرادة ، وهي معترضة بين "يود " وبين مفعولها وهو "لو تسوى " ، و "لو " بمعنى "أن " "المصدرية " . انتهى . وفي جعله الجملة الحالية معترضة بين المفعول وعامله نظر لا يخفى ، لأنها من جملة متعلقات العامل الذي هو صلة للموصول ، وهذا نظير ما لو قلت : "ضرب الذين جاءوا مسرعين زيدا " فكما لا يقال إن "مسرعين " معترض به فكذلك هذه الجملة .

وقرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم "تسوى " بضم التاء وتخفيف السين مبنيا للمفعول . وقرأ حمزة والكسائي : تسوى بفتحها والتخفيف ، ونافع وابن عامر بالتثقيل . فأما القراءة الأولى فمعناها : أنهم يودون أن الله تعالى يسوي بهم الأرض : إما على أن الأرض تنشق وتبتلعهم ، وتكون الباء بمعنى "على " ، وإما على أنهم يودون أن لو صاروا ترابا كالبهائم ، والأصل : يودون أن الله يسويهم بالأرض ، فقلب إلى هذا كقولهم : "أدخلت القلنسوة في رأسي " ، وإما على أنهم يودون لو يدفنون فيها ، وهو كمعنى القول الأول ، وقيل : لو تعدل بهم الأرض أي : يؤخذ ما عليها منهم فدية .

وأما القراءة الثانية فأصلها "تتسوى " بتاءين ، فحذفت إحداهما . وفي الثالثة حذفت إحداهما . ومعنى القراءتين ظاهر مما تقدم ، فإن الأقوال الجارية في القراءة الأولى جارية في القراءتين الأخريين ، غاية ما في الباب أنه نسب الفعل إلى الأرض ظاهرا .

قوله : ولا يكتمون فيه ستة أوجه ، وذلك أن هذه الواو تحتمل أن تكون للعطف وأن تكون للحال : فإن كانت للعطف احتمل أن يكون من عطف المفردات ، وأن يكون من عطف الجمل ، إذا تقرر هذا فيجوز أن [يكون ] ولا يكتمون عطفا على مفعول "يود " أي : يودون تسوية الأرض بهم وانتفاء [ ص: 687 ] كتمان الحديث ، و "لو " على هذا مصدرية ، ويبعد جعلها حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره ، ويكون "ولا يكتمون " عطفا على مفعول "يود " المحذوف . فهذان وجهان على تقدير كونه من عطف المفردات .

ويجوز أن يكون عطفا على جملة "يود " ، أخبر تعالى عنهم بخبرين أحدهما : الودادة لكذا ، والثاني : أنهم لا يقدرون على الكتم في مواطن دون مواطن ، و "لو " على هذا مصدرية ، ويجوز أن تكون "لو " حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره ، وجوابها محذوف ، ومفعول "يود " أيضا محذوف ، ويكون "ولا يكتمون " عطفا على "لو " وما في حيزها ، ويكون تعالى قد أخبر عنهم بثلاث جمل : الودادة وجملة الشرط بـ "لو " وانتفاء الكتمان ، فهذان أيضا وجهان على تقدير كونه من عطف الجمل .

وإن كانت للحال جاز أن تكون حالا من الضمير في "بهم " ، والعامل فيها "تسوى " ، ويجوز في "لو " حينئذ أن تكون مصدرية وأن تكون امتناعية ، والتقدير : يودون تسوية الأرض بهم غير كاتمين ، أو : لو تسوى بهم غير كاتمين لكان بغيتهم ، ويجوز أن تكون حالا من الذين كفروا ، والعامل فيها "يود " ، ويكون الحال قيدا في الودادة ، و "لو " على هذا مصدرية في محل مفعول الودادة ، والمعنى : يومئذ يود الذين كفروا تسوية الأرض بهم غير كاتمين الله حديثا ، ويبعد أن تكون "لو " على هذا الوجه امتناعية للزوم الفصل بين الحال وعاملها بالجملة . و "يكتمون " يتعدى لاثنين ، والظاهر أنه يصل إلى أحدهما بالحرف ، والأصل : ولا يكتمون من الله حديثا .

التالي السابق


الخدمات العلمية