صفحة جزء
آ. (55) قوله تعالى: لن نؤمن لك : إنما تعدى باللام دون الباء لأحد وجهين: إما أن يكون التقدير: لن نؤمن لأجل قولك، وإما أن يضمن معنى الإقرار، أي: [لن] نقر لك بما ادعيته، وقرأ أبو عمرو بإدغام النون في اللام لتقاربهما.

قوله تعالى: "جهرة" فيه قولان:

أحدهما: أنها مصدر، وفيها حينئذ قولان، أحدهما أن ناصبها محذوف، وهو من لفظها، تقديره: جهرتم جهرة نقله أبو البقاء ، والثاني: أنها مصدر من نوع الفعل فتنتصب انتصاب [ ص: 368 ] القرفصاء من قولك: "قعد القرفصاء"، "واشتمل الصماء"، فإنها نوع من الرؤية، وبه بدأ الزمخشري .

والثاني: أنها مصدر واقع موقع الحال، وفيها حينئذ أربعة أقوال:

أحدها: أنه حال من فاعل "نرى" أي: ذوي جهرة، قاله الزمخشري .

والثاني: أنها حال من فاعل "قلتم"، أي: قلتم ذلك مجاهرين، قاله أبو البقاء ، وقال بعضهم: فيكون في الكلام تقديم وتأخير، أي: قلتم جهرة لن نؤمن لك، ومثل هذا لا يقال فيه تقديم وتأخير، بل أتى بمفعول القول ثم بالحال من فاعله، فهو نظير: "ضربت هندا قائما".

والثالث: أنها حال من اسم الله تعالى، أي: نراه ظاهرا غير مستور.

والرابع: أنها حال من فاعل "نؤمن" نقله ابن عطية ، ولا معنى له، والصحيح من هذه الأقوال الستة الثاني.

وقرأ ابن عباس "جهرة" بفتح الهاء وفيها قولان:

أحدهما: أنها لغة في جهرة، قال ابن عطية : "وهي لغة مسموعة عند البصريين فيما فيه حرف الحلق ساكن قد انفتح ما قبله، والكوفيون يجيزون فيه الفتح وإن لم يسمعوه"، وقد تقدم تحرير القول في ذلك.

والثاني: أنها جمع "جاهر"، نحو: خادم وخدم، والمعنى: حتى نرى الله كاشفين هذا الأمر، وهي تؤيد كون "جهرة" حالا من فاعل "نرى".

[ ص: 369 ] والجهر: ضد السر وهو الكشف والظهور، ومنه جهر بالقراءة أي: أظهرها: قال الزمخشري : "كأن الذي يرى بالعين جاهر بالرؤية، والذي يرى بالقلب مخافت بها".

التالي السابق


الخدمات العلمية