صفحة جزء
آ. ( 171 ) قوله تعالى: والغلو: تجاوز الحد، ومنه: غلوة السهم، وغلاء السعر. قوله: "إلا الحق" هذا استثناء مفرغ، وفي نصبه وجهان، أحدهما: أنه مفعول به؛ لأنه تضمن معنى القول، نحو: قلت خطبة. والثاني: أنه نعت مصدر محذوف؛ أي: إلا القول الحق، وهو قريب في المعنى من الأول. وقرأ جعفر بن محمد: "المسيح" بوزن السكيت، كأنه جعله مثال مبالغة، نحو: شريب العسل، و "المسيح" مبتدأ بعد "إن" المكفوفة، و "عيسى" بدل منه أو عطف بيان، و "ابن مريم" صفته، و "رسول الله" خبر المبتدإ، و "كلمته" عطف عليه.

و "ألقاها" جملة ماضية في موضع الحال، و "قد" معها مقدرة. وفي عامل الحال ثلاثة أوجه نقلها أبو البقاء؛ أحدها: أنه معنى "كلمة"؛ لأن معنى [ ص: 166 ] وصف عيسى بالكلمة: المكون بالكلمة من غير أب، فكأنه قال: ومنشؤه ومبتدعه. والثاني: أن يكون التقدير: إذ كان ألقاها، فـ "إذا" ظرف زمان مستقبل، و "كان" تامة، وفاعلها ضمير الله تعالى، و "ألقاها" حال من ذلك الفاعل، وهو كقولهم: ضربني زيدا قائما. والثالث: أن يكون حالا من الهاء المجرورة، والعامل فيها معنى الإضافة، تقديره: وكلمة الله ملقيا إياها. انتهى. أما جعله العامل معنى "كلمة" فصحيح، لكنه لم يبين في هذا الوجه من هو صاحب الحال ؟ وصاحب الحال الضمير المستتر في "كلمته" العائد على عيسى، لما تضمنته من معنى المشتق، نحو: منشأ ومبتدع، وأما جعله العامل معنى الإضافة فشيء ضعيف، ذهب إليه بعض النحويين. وأما تقديره الآية بمثل "ضربي زيدا قائما"، ففاسد من حيث المعنى. والله أعلم.

و "روح" عطف على "كلمة"، و "منه" صفة لـ "روح"، و "من" لابتداء الغاية مجازا، وليست تبعيضية. ومن غريب ما يحكى أن بعض النصارى ناظر علي بن الحسين بن واقد المروزي، وقال: في كتاب الله ما يشهد أن عيسى جزء من الله، وتلا: "وروح منه"، فعارضه ابن واقد بقوله تعالى: وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ، وقال: يلزم أن تكون تلك الأشياء جزءا من الله تعالى، وهو محال بالاتفاق؛ فانقطع النصراني وأسلم.

و "ثلاثة" خبر مبتدأ مضمر، والجملة من هذا المبتدإ والخبر في محل نصب بالقول؛ أي: ولا تقولوا: آلهتنا ثلاثة، يدل عليه قوله بعد ذلك: إنما الله إله واحد ، وقيل: تقديره: الأقانيم ثلاثة أو المعبود ثلاثة. وقال [ ص: 167 ] الفارسي: تقديره: الله ثالث ثلاثة، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، يريد بذلك موافقة قوله: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة .

وقوله: "انتهوا خيرا لكم" نصب "خيرا" هنا كنصبه فيما تقدم في جميع وجوهه ونسبته إلى قائليه. و "أن يكون له ولد" تقديره: من أن يكون، أو عن أن يكون؛ لأن معنى "سبحان": التنزيه، فكأنه قيل: نزهوه عن أن يكون، أو من أن يكون له ولد، فيجيء في محل "أن" الوجهان المشهوران. و "واحد" نعت على سبيل التوكيد، وظاهر كلام مكي أنه نعت لا على سبيل التوكيد، فإنه قال: "والله" مبتدأ، و "إله" خبره، ، و "واحد" نعت تقديره: إنما الله منفرد في إلهيته. وقيل: "واحد" تأكيد بمنزلة لا تتخذوا إلهين اثنين ، ويجوز أن يكون "إله" بدلا من "الله"، و "واحد" خبره، تقديره: إنما المعبود واحد. وقوله: أن يكون له ولد تقدم نظيره. وقرأ الحسن: "إن يكون" بكسر الهمزة ورفع "يكون" على أن "إن" نافية؛ أي: ما يكون له ولد، فعلى قراءته يكون هذا الكلام جملتين، وعلى قراءة العامة يكون جملة واحدة.

التالي السابق


الخدمات العلمية